قد تبلغ الأنفس في ارتيادها
ديوان السيد حيدر الحلي
قد تبلغ الأنفسُ في ارتيادها=حصولَ ما تهواه من مرادها
وقد تديم السعيَ في تتمة ِ=مانتقاصها أو طلب ازديادها
ففاتها ما اعتقدت حصوله=وجاءها ما ليس في اعتقادها
وكلما قدّره الله لها في=قربها يجري وفي بعادها
هذا ابنُ أمَّ المكرمات من=غدا يرفل في الفاخر من أبرادها
جوادُها وهل بمضمار العلى=أسبقُ من «محمدٍ جوادها»؟
أنكر مسَّ الدهر من خشونة ٍ=لا يرقد الحرُّ على قَتادها
فانساب مثل الأيم عن بلاده=ينتجعُ العزَّة في بلادها
يطلبها بعين يقظانَ رأت=سهادَها أعذبَ من رقادها
مقتعداً من الإباء صعبة ً لا=يقدر الدهر على اقتعادها
حتى اصطفى من عزة ٍ دارَ=عُلى ترفع كفُّ المجد من عمادها
فاحتلَّ منها في رباع شرفٍ=عادت نجوم الأفق من حسادها
قد عقد النديَّ فيها للنهى=واصطنع العرفَ إلى قصّادها
واستحلت الفرسُ له خلائقاً=أخلاقها المرة ُ من أضدادها
فكان فيها كهلال فطرِها و=كلُّ يوم مرَّ من أعيادها
أمّل أن يعودَ وهو رافة ٌ=بناعم العيش إلى بغدادها
فعاد في نعشٍ حوى «صفيّة ً»=أعزَّ في عينيه من سوادها
خلتُ أهنّيه على قدومه لا=أن أعزّيه على افتقادها
وفيه في النادي لآل المصطفى=أقول قرَّت مقلتا أمجادها
لا أنني أقول في مأتمها صبراً=وأين الصبرُ من فؤادها
يا خجلة الأيام من "محمدِ"="صالِحها" الزاجر عن فسادها
قد صبغ العارُ لها وجوهَها=فلتستتر بفاضح اسودادها
يا قصرتْ يدُ الليالي ما جنت=على أبي "المهديّ" في امتدادها
أليس دأباً كفَّها مملوَّة ً من=كفِّه البيضاء في إرفادها
مولى ً على الأرض تراه رحمة=عمَّت جميع الأرض بانفرادها
أحيا ثراها وأمات جدبَها=بجوده، وكان من أوتادها
مقتصدٌ يسرف في بذل الندى=حيث الورى تسرف باقتصادها
كأنَّ من وقاره حبوتُه تضمنُ=منه الطودَ في انعقادها
سدَّت لأهل الأرض فيه ثلمة=ما ظفرتْ لولاه بانسدادها
خافتْ ولما التجأتْ لعزِّه أقرّها=والأرض في مهادها
يُنمي إلى قبيلة المجد التي=طريفها يعربُ عن تلادها
إن عدَّدت لمفخرٍ ودَّت بأن=تدخلُ زهر الشهب في عدادها
تواترت عنها رواياتُ الندى=من ولدها تنقل في آحادها
في كل ذي نفسٍ تزكَّت بالتقى=لا تعلق الآثامُ في أبرادها
تديم ذكرَ الله، بل كاد لها يقوم=ما عاشت مقامَ زادها
هذا أبو "المهدي"فانظر في الورى=هل كأبي "المهديّ" في عبادها؟
كأنَّ في جنبيه نفسَ ملكِ=تستنفد الأوقات في أورادها
أتعبها في طاعة الله لكي=تفوزَ بالراحة في معادها
حسبُك ما ترويه عن آبائها:=أن التقى والبرِّ في زهّادها
بل كيف لا تثبت دعوى شرفٍ="أبو الأمين" كان من أشهادها
ندبٌ حياض الجود منه نعمة ٌ=تروي بها الوفدَ على احتشادها
يزداد ورياً زندُ مكرماته إن=زادت الجدوب في أصلادها
صلّى إلى العلياء خلفَ سابقٍ=كان هو النخبة من أمجادها
ذاك أخوه وأبو النجب التي قد=أخذ الفخارَ في أعضادها
منها الرضى للوفد حيث سخطت=من بخل أهل الأرض في ارتيادها
محببُ الأخلاق محسود العُلى=دامت له العلياء مع حسّادها
قد خلط البشرى لذي ودادها=بهائل السخط لذي أحقادها
مثلَ البحار الفعم يروي عذبُها=ويغرق الجائشُ في إزبادها
أو كالقطار السجم يُرجى برقُها=ويُرهب القاصفُ من إرعادها
له الندى المورودُ عبّاً وندى=سواه مثلُ المصّ من ثمادها
أزهرُ بسّام العشيِّ إن دجت=أوجهُ أقوام على قصّادها
يلتمع السرورُ في جبينه=عند قِرى الأضياف وازديادها
قد طاول الأنجمَ «هادي» مجده=حتى سما الكاهل من أفرادها
واتقدت من فوقها أنوارها=حتى شكت إليه من إخمادها
قد خلّف "المهديُّ" خير من مشى=في هذه الأرض على مهادها
وقام في دار علاهُ حافظاً له=ذمامَ الجود في وفّادها
وبعضهم كالنار لا يخلفها=منها سوى ما كان من رمادها
أبلج لا يشبهه البدرُ لأن=تشينه الكلفة ُ في سوادها
من فئة فيها الوقارُ والنهى=ساعة تستهلُّ في ميلادها
«كمصطفى » الفخر وناهيك=به في شرف النفس وفي إرفادها
جلَّ فلولا صغرُ النفس إذن=لقيل هذا مصطفى أجدادها
مَن مثله وأين تلقى مثله؟=يا رائد المعروف في أجوادها
هذا الذي قد وجدت عفاتُه=برد الندى منه على أكبادها
وعن حسينٍ جودُه تحدَّثت=تحدّثَ الروضة عن عهادها
كالغيث في دنوه، والبدر في=علوِّه والشمس في اتقادها
بل في "أمين" الحلم نفسُ "كاظمٍ"=للغيظ مما ساء من حسّادها
"جعفرُ" فضلِ و"الجواد" جعفرُ"=الفضل وذا حسبُك من تعدادها
قد ولدت أمُّ المعالي غيرَها=لكن هي الصفوة ُ من أولادها
تهوى السما أن تغتدي فراشها=والشهبُ أن تكون من وسادها
حيث أبو «المهديّ» قد رشَّحها=للفخر والسؤدد من ميلادها
يا فئة ً أحلامها ما زحزحت=راجفة الخطوب من أطوادها
إليكموها غرراً وإن تكن=بدت من الأحزان في سوادها
وسمتها بمدحكم فأقبلت=سماتها تنيرُ في أجيادها
بلطفها من القوافي نزلت=منزلة الأرواح من أجسادها
جاءتك ثكلى غير مستأجرة ٍ=تستقصر «الخنساء» في إنشادها
لو رددت نوحاً «لصخرٍ» لأرت=كيف انفطارُ الصخر في تردادها
ناحت فأبكت شجناً عينَ=العُلى بأدمعٍ تذوب من فؤادها
ثم دعت لا طرقت ربعَكمُ=إلا المسرّات مدى آبادها
ولا وعى غيرَ التهاني سمعُكم=أو مدحاً تطرب في انشادها
ومنكم لا برحت آهلة=عرينة ُ العزَّة في آسادها