كم ذا تحنّ لذلك السرب - في رثاء سيد الشهداء (ع)
الشيخ محمد الملا
كم ذا تحنّ لذلك السرب=في الحالتين البعد والقرب
والنفس إن علق الغرام بها=لا تنثني باللوم والعتب
أحسبت تنجو والهلاك بما=ألقتك فيه بوادر الحب
شرقت جفونك في مدامعها=وشرقت حين ظمأت بالعذب
فأنظر لنفسك نظرة ابن نهىً=ظهرت له من باطن الحجب
فالمرء مرتهن بما ربحت=حوباه في الدنيا من الكسب
واجزع لما نال ابن فاطمة=في كربلا من فادح الخطب
نكثت بنو الزرقاء بيعته=بعد العهود اليه والكتب
ولحربه زحفت فأرهبها=ما طار أعينها من الرعب
بفوارس أسيافهم جعلت=وحش الفلا والطير في خصب
ثبتوا ثبات عميدهم بوغىً=طحنت رحاها أرؤس الغلب
ووفت وفاءهم رماحهم=وسيوفهم بالطعن والضرب
بيض الوجوه تسل بيض ظباً=جليت بهنّ حوالك الكرب
شهدت لهن بوقعهن على=هامات حرب حومةُ الحرب
وتراكم النقع المثار وقد=لمعت بأفق سماه كالشهب
حتى إذا سئمت معيشتها=ما بين أهل الشرك والنصب
رامت لأنفسها بميتتها=عزّاً به تحيى مدى الحقب
فاستسلمت لقضاء خالقها=فهوت معفّرة على الترب
وسطا أبو الأشبال حين غدا=في الجمع فرداً فاقد الصحب
ذُعر الجحافل منه ليث شرى=يختال بين السمر والقضب
ذو عزمة إن ثار ثائرها=في الشرق دكّ الشرق بالغرب
عدم المغيث فلم يغثه سوى=أخوين : لدن الرمح والعضب
ملأى من القتلى الفضا ، فبهم=قد ضاق منها واسع الرحب
فأتاه أمر الله حين أتى=أدّيتَ ما حمّلت من صعب
فأجاب دعوة ربه فثوى=نحو الشريعة ظامي القلب
وغدت على جثمانه حنقا=تعدو بنو مروان بالقبّ
بسيوفهم أعضاؤه انتهبت=وبرحله عاثت يد النهب
يعزز عليه أن نسوته=تسري بها عَنقا بنو حرب
لا تنقع العبرات غلّتها=وإن استهلّ بها حيا السحب
فتجيبها الست الجهات إذا=ما أعولت بالنوح والندب
من خوفها تصفرّ أوجهها=ومتونها تسودّ بالضرب
إن حاولت كتمان ما لقيت=فالدمع عنه معلناً يُنبي
فالوجد منها قدّ أفئدة=بثت شكاية ظمّأ سغب
فنوائب الدنيا على مضر=دور الرحى دارت على القطب
عجباً لها بصفيحها احتجت=ونساؤها مهتوكة الحجب
صبرت ، ولا صبر على الجلل=جعل الأنام مطاشة اللب