ما للجوى في رزئه حدُّ = فعلى المدى ذكراه تمتدُّ
كالنار تحرق مهجة حرّى = تزفارها في البعد يشتدُّ
فإذا الوجيب و كل جانحة = لضريحه الميمون تنشدُّ
لمنابر طاف الخلود بها = و عليه من آثارها بند
سُقيت من العبرات تربتها = و نسيمها الآهات و الوجد
في وقعة قلب الزمان لها = متفطر و عيونه سهد
نحو الحسين تظل حاسرة = حيرى و منها الحزن يرتد
بأبي و نفسي من بمقتله = ذهب الصفاء و غادر السعد
للطف حيث الطف غايته =و يحوطه الأصحاب و الوِلد
ساروا و شوق الموت ينهبهم= و الموت بين مسيرهم يحدو
و بكربلاء منازل جمعت = درر القلوب كأنها عقد
ما بين شيخ في تبتله = ذكر و في تسبيحه وِرد
أو فتية في زهر طلعتها = يعلى الجبين و يزهر الخد
حول الحسين و تحت رايته = وقفوا و فيض شعورهم ودُّ
متدرعين لنصر سيدهم = و إليه في أعماقهم عهد
وبحومة الميدان تذرفهم = بيض النصال و صارم هند
فإذا الجيوش أتت و عدّتها = ما نالها حصر و لا عدُّ
برزوا كماة في تدافعهم = موج و في إصرارهم مدُّ
و صدورهم للنّبل مشرعة = حول الحسين كأنها سدُّ
كرّوا و ما وهنت عزائمهم = كلا و ليس لعزمهم صدّ
و تسابقوا في نيل أمنية = فيها تساوى الحر و العبد
يا لهف نفسي عندما قتلوا = و على الصعيد تناثر الورد
رحلوا و في أرواحهم ظمأ = ترويه حور العين و الخلد
رحلوا و عند الحرب قائدهم = بين الجموع محاصر فرد
والهفتاه و دمعه يجري = و القوم يغمر قلبها الحقد
أو لم أكن سبط النبي أهل = في قوله و حديثه ردّ؟
أيكون جدي خصمكم يوما = لا تنفع الأموال و الوِلد؟
فأجابه من خيلهم سيل = و من السهام مناصل رصد
و على العريكة ثار ثائره = من حيدر ما مثله ندّ
لكن سهم الشؤم باغته = و إليه في أحشائه مهد
لهفي على المقتول ظمآنا = و الماء عذب ورده شهد
لهفي على المسلوب عريانا = و عليه من تربانها بُرد
و الرأس فوق البيض محمول = و على الضلوع سنابك تعدو
و الجسم بالفلوات تصهره = شمس و يشعل حرَّها وقد
و النائحات بقربه حسرى = جمر الغضى و البعد و الفقد