شكّلت من روحي يراعَ هِيامي =وملأتُها بالحبر من تهيامي
ونحتُّ من صَفحاتِ قلبي دفترا=وشحذتُ بين ضلوعِها أقلامي
و نزفتُ أفكاري و لبَّ حشاشَتي=والحرف بأسي و القصيد عُرامي
حتى إذا هتف اليبابُ بسحنتي=ووجدت قيثاري بلا أنغام
وهربتُ من عطشِ "الطويلِ" ميمّما=نحوَ "البسيطِ" فما رَويتُ أُوامي
وتنقَّلتْ بين الزوارق رحلتي=في "الرّاءِ" ثم أدرتُها في "اللّام "
حتى سكرتُ بدنّها "ميميّةً"=صهباء ترفل في كؤوس مُدام
واللحن يقطر كاملا بصبابتي=متفاعلن متفاعل الأرتام
وطفقت أنشد في عليٍّ ثيمة=مجدولة بضفائر الأيام
كالسّحر تنفثني و تفضح صبوتي=وتقضّ في جنح النّعاس منامي
من كل زاوية أتيت بوردة=حمراء تبرق مثل زهر خزام
وسنابلي فوق الربا أنهرتها=تطفو ليحصدها ربيع كلامي
فإذا غزلت من القريض فلم أجد=ثوباً بحجم تشوّقي وغرامي
أعطي مواثيق الغيوم لعلّني=ألقاه في سحٍّي وبرق جهامي
وأطلّ من باب السماءِ لأبتني=خرّيدة مسبوكةَ الإلهامِ
أختارُ من خيلِ البراق خليلة=ممهورة للكرِّ والإقدامِ
وأذوب في طيِّ السنين نوارسا=ظمأى يجنّحها صدى الأعوام
للجاهليّة قد ذرعتُ مسافتي=والحرف زادي و الشعور طعامي
والشوق خارطتي ومصباحي الهوى=والعمر خلفي والمنى قدّامي
و"السّبعُ" في جيد الرُّؤى علّقتها= بجواهرٍ مصكوكةٍ وختامِ
ورأيتُ في "حسّان" غصنَ قصيدةٍ= تفّاحها ينداحُ في أَكمامي
وإذا "الكميت" على مشارف دوحتي= عطر تدلّى من كفوف غمام
ماذا بوسع الحرف حين يضمّه= كابن الحديد بثغره البسام ؟
وتلوح من قيسِ الملوَّحِ ريشةٌ= شفّافةٌعذريّةُ الأحلامِ
ومضى يوحدنا القصيد فما انثنى="متنبئ " يختار خير وسام
ووقفت أستوحي الخطا فسبقتها=و"أبو فراسٍ" لا يزال أمامي
تمتدّ أفكار" الرضيّ " بجعبتي= و"البحتري" بصحوتي ومنامي
وأنا أدندن قصة في همسها= زيت تقاطر في يد الرسام
لكنها جرداء يقصر عندها= نخلي وحقل تخيلي و نظامي
وتصحّرت غاباتُ ألفاظي فما= أعلنتُ في بيدائها استسلامي
وغرزت روحي جنّة في بابلٍ= ينصاع منها السَّمعُ للأهرامِ
إذ كان" شوقي" ساكنا بربابتي= يهدي الورود ل"حافظ" الهمّامِ
و"جواهريُّ" الحرفِ يندف زهرة= فواحة من دجلة للشام
نادمت قافلة البلاغةِ والنُّهى= وقصدتُ حتى حضرة "الخيّامِ"
ومررتُ ب"الحدّاد " أستسقي به= ومع "الصُّحَيِّح"قد أطلتُ مقامي
غصتُ الحداثةَ والتقيتُ رموزَها= وطبعتها في خافقي اللوّام
وقصدتُ ما بعدَ الحداثة أبتغي= في النص لولبة لعشقي الطامي
وحسبتُ نفسي شاعرا لكنَّني= بعثرتُ ما بين القصيد حطامي
ووجدتُ كلّ خواطري مبتورةً= وقصائدي مختلَّةَ الأنغام
ووجدتُ أنّ الشعرَ محضُ غوايةٍ= والنثرَ سلسلةٌ من الأوهام
ورأيت في البوح / الصهيل تناسلا= فوق الشعور ومستوى الأفهام
وأرى "عليَّا" فوق سقف كفايتي = والنبض لا يدنو مداه السّامي
فتضيع موسيقى اللحون بجوقتي= ويصوغ مني موجة استفهام
حتى إذا انفطر الحديث برمزه= كعزيف جنّ أو هديل حمام
أيقنت أن قصيدتي موءودة= وملاحم الذكرى رميم عظام
هو واهم من يحسبنّ كتابة= صفراء ترقص في يد النهام
يوما ستختصر البحور بنظمها= وتكون ريّا للفؤاد الظامي
فالعاشقون على رؤاه تحلّقوا= تبغي الوصول لجذعه الرمرام
والوالهون على خطاه تسلقوا= من فوق جوزاء العلا بشمام
يا سيدي ولأنت أصل حكايتي= وبحبلها أرفو نسيج خيامي
وأرتّق الآمال من ديباجها= فتغازل الأحلام في الآرام
ماذا تؤطر يا ترى معزوفتي= واللحن شط على رباط زمامي؟
تيها سأشكو للزمان قريحة= فطمت قريضي قبل حين فطامي
و هربتُ للقرآن أبغي كنهه= بشواهد بين الحروف عظام
والطبرسيّ وكل تفسير أتى= في هل أتى والفتح والأنعام
وبذمّة "الحمد" استفاق تبتّلي= سحرا يضجّ بسحرها المترامي
فأخذت بسم الله أطفئ جذوتي= فإذا بها كونٌ من الأجرام
واخترت منها الباء حتى شفّني= منها حضور فوق حجم مقامي
ولنقطة الباء انتهيت لعلّني= أصحو و يبصر بعدها إعتامي
لكنّني خجل رجعت بخيبتي= وتكسّرت في شطّها أقلامي
ومن الحياء حجبت وجه قصيدتي= وببرقع غطيتها ولثام
ودفنت أوراقي بسافية الثرى= ودسست حبري مثل رأس نعام
ماذا أقول بثورة الضوء التي= عصفت بروح الشعر والإلهام ؟
الفارس المغوار ابن الفارس= الهمّام ابن السيّد الضرغام
البالغ المجد الأثيل جناحه=مترفع كالأجدل الحوام
تتحادر الرتب الرفيعة تحته= فيبذّها بعلوه المتسامي
والشرعة البيضاء بعض جمائل= ومواهب من عزمه المقدام
تنصاع تفصيلا إليه وجملة= فيكون خير مطبّب و محامِ
من أين أعرج في مدى بصماته= ودفاعها عن بيضة الإسلام ؟
تتوضّأ الدنيا بنور خياله= فيجرّ باصرها من الإظلام
ويخلّق الثورات في أمشاجها=ضدّ الطغاة و زمرة الأصنام
يستأصل الشوك / النفاق بسيفه= ويبيده ورما من الأورام
ويدوزن التقوى بأسّ بنائه= كرم به من منشئ هدّام!
أفديه من حرٍّ أبيٍّ عالم=متعبّد متهجّد صوّام
تخضرّ حاجات البريّة عنده=و حوائج الضعفاء و الأيتام
يا نفحة للعشق بعد محمدٍ= وبه النبوة تكتسي بختام
يغري فؤادي منك عذب إمامة= نهر ترقرق في فؤاد عصامي
يا ساحر الدنيا و مالك قلبها= ومذلّها بشكيمة ولجام
يا صاحب الثفنات دونك سجدة=تهمي على جدب الورى برهام
يا أيها الغيب المدثر في المدى=كتفتق الأزهار في الآجام
بحر العقيدة أنت أنت سبرته=لله درّ فؤادك العوّام!
عانقت مشكاة اليقين فأبصرت=منك الحقيقة مثل بدر تمام
والعبقرية صرت نهج بليغها= تفتضّ منه بكارة الأفهام
يا راسم التاريخ وجها ناصعا= الكبرياء مطرّز وعرام
ومعيد قرص الشمس ينضح شعلة= والدّهر رتّل سورة الإعتام
بدرٌ تغازل مقلتيك و مهرها= سيف تلوّن في يد الرسام
وبباب خيبر من علاك محطة= ما انفكّ يعبرها الهوى بسلام
سيّلت في جسد الشريعة أنهرا= بمآثر من راحتيك جسام
بعزيمة مثل الأسود عصيّة= في الحرب محجمة عن الإحجام
يا سيفك البتار كيف أصوغه= شعرا تجرد من يد القمقام؟
يا صوتك البركان كيف أعيده= كالنار كالزلزال كالألغام ؟
يا قلبك الوثّاب ما تفسيره= مذ كنت عملاقا بثوب غلام ؟
فإذا ابن ودّ لعبة تلهو بها= وتردّها لمنيّة و حمام
وإذا الحروب تقلدت أوزارها= تلقاك عاصفة من الأرزام
ما الموت إلا شفرة علوية=ذاقت سمومك من كؤوس زؤام
يا حاصد الهامات في يوم الوغى=ومنكس الميزان والأعلام
من غير عزمك يقتفي آثارها= ويبيدها بالصارم الصمصام ؟
وأراك أكبر من أساطير الدنا=وسواعد مفتولة و حسام
ولأنت أكبر من تدفق منطق=في العلم أو في النقض و الإبرام
وشريعة عشبت على أعوادها=فتوى حلال أو بيان حرام
وهواك أصدق من كناياتي التي=عجزت عن التعبير والإلمام
ولأنت أكبر من جزيرة أحرفي=و تخاطرالخفقات في أعلامي
ولأنت أغلى من كنوز معارفي=وأعز من أمي ومن أرحامي
ولأنّ شخصك يا عليٌّ في دمي=ما عدت أرهب قامة الأقزام
وأنا رديف العشق أحصد خطوتي= وعلى صراطك أنشد استعصامي
أصحو على ذكراك عند صبيحتي=وأراك أعذب همسة بمنامي
يا كعبة النور التي صلى لها=قلبي و أورق عندها إحرامي
سأظلّ أحترف الولاية عاشقا=حبري قميصي و الولاء حزامي
تنساب ذاكرتي بأبياتي التي=تأتي فرادى أو حضور توام
يا سيدي والروح شحّ دلاؤها=وجميل وصلك منية للظامي
أرنو إلى النجف الحبيب ومهجتي= نار تشبّ على لهيب ضرام
فمتى بحضنك تستريح حقائبي=وأصوغ يوم عناقها أحلامي؟
وتعربد البشرى بذاكرتي التي=صدئت لطول توجدي وسقامي
ومتى أكفُّ الوصل أبسطها على=ذاك الضريح بلهفة وأوام؟
والعين في بحر التزفر لجة=تبكي كجيش بالدموع لهام
والنفس حاجات تذوب وشهقة= تدنو وثورتها كرشق سهام
ويد القضاء بدمعها موصولة= عند الدعاء تهم بالإتمام
وأنا أزج إلى هواك خواطري= بتحيّة شفّافة وسلام
وهيام نفس بالهوى مغلولة= ورجاء قلب متخم الآثام
وكتاب أشواق يضم قصيدة= ولهى ترتل أعذب الأنغام
يا سيدي فاختم على ألواحها= منك القبول ومنتهى الإكرام
واجر السواقي في جنان محبتي= وامنن على نعمائها بدوام
واشعل ضياءً قبر أمي إنها= قد علّقت نفسي بخير إمام
واسكب عطاءك سيدي في تربها= كيما تفوح بأطيب الأنسام
و إليك حاجة دمعة مدرارة= مذخورة عندي ليوم قيام
إن جئت أستسقي بحوضك شاربا= من عنفوان سقائك الطمطام
لاتنظرنّ لما جنيت بغفلتي= واعطف على روحي بأعذب جام