أتيتك بالأصفاد فاخترمَ القصدُ = وحبلُ وجيبي في غرامك ينشدُّ
وقد خانني وجهي وبيتي و قريتي = و عن سُدّة الآمال طوّحني سدُّ
كمختبطٍ لمّا يخالط جُنّةً = على جرفِ هذا الليل بعثره السهدُ
ألستُ إذا أبرمتُ مليون موثق = يلولبني حبلٌ ويغلبني عقد ؟
يغالبُ عشقا لو تكشّف سترُه = وشى بي فضاء في مفاوزه مدّ
به سفن الإيقاع تمخرُ أسطري = متى عسفت ريحٌ ينزُّ بها البعدُ
فيا سيّد الدنيا أتيت ولهفتي = كما الهيم لو يستكّ في سمعها الرعد
ويا لابسا مجد السيادة عمّة = لها الفخرُ مملوك و نابضه عبدُ
ويا أيها الموعود غيثا و غيمة = متى في سؤالات النوى يهطل الردّ؟
(أبا صالحٍ) لا أبلج الله نظرةً = لضوئك لا تألو ويبلغها الجهد
(أبا صالحٍ) لا سدّد اللهُ خطوةً = لنصرك ما رصّت أرومتها جندُ
أتيت شتاءاتُ الهموم قرينتي = ومدفأتي الصفراء يقضمها البرد
وأرفو بأسمال الغياب قطيفة = نما في خباها التّيمُ واستحكم الصرد
فلا أنا موصول ولا أنا واصل = بغير يدٍ من شمس روحك تمتدًّ
وما لهفة الأوكار تسبق غصتي = وما طيرها المذبوح أضنكه الصدُّ
لغير مراياك التي تستحثني = وتسكبني شعرا كما الضوء يرتدّ
وفي مقلتي منفى وعيناك موطنٌ = وللضدّ حكمٌ لو يساوره الضدٌّ
وما جئت وحدي بل كتيبة لوعةٍ = وحشد من العشاق أغرقها الوجد
وكل عصافير الغناءِ بزورقي = وتتبعني الأسماك والعشب والورد
وتلك أساطير النخيل جدلتها = حكاية عشق ما تواترها سردُ
وأمشي كما العذراء بارح وشمُها = وفارسها الموعود أخطأه العدّ
تبخّرت الأحلام بعضٌ معطّل = وبعضٌ بلا قصد يشطُّ به القصد
وجئتك درويشا بعينيه قبلةٌ = وعن كلّ شيءٍ غير قبلته زهدُ
وفي الروح شريانٌ يلمّ نجيعه = وقد بُتِرتْ منه العزيمةُ و الجلد
أمشط ليل الحزن عشقا وحرقة = فكلُ بكاءٍ ضمن قافلتي يحدو
وما جئتُ وحدي بل معيّة أمّةٍ = بخافقها المفطور يعتلج الفقد
وهول أفاعيل و سفح نميمة = وصخرة جهل دونما هدفٍ تعدو
وجبُّ دواهيها ينوءُ و قاعه = تشجّر فيه الحقد وانمذق الودُّ
وتنعق فيها فلتةٌ جاهليّة = وليس لها منها محيصٌ ولا بد
كغابة ظلمٍ بل غياهب ظلمة = يتيه بها العقل المدبّر و الرشدُ
ومن وقرة التضليل داءٌ مقدّر= وداهية طغماء خاثرها الزّبْدُ
تأمرك فيها الغيُّ حتى كأنما = سحائبه السجّيل و الحجر الصّلد
وتصهلها نحو الدمار غوايةٌ = بعولمةٍ بين الجريمة تحتدٌّ
فرهطٌ بإسرائيل دارت رحيّها = إذا صفعت خدّا يدارُ لها خدُّ
وعُربٌ بكهف اليأس ذلا تحدّبت = على شرفة المجهول فانسلخ المجدُ
فلا القدسُ تشفى من مياسم كيّها = ولا الكلكلُ المصدور والأعين الرمد
ولا جرح دلمونٍ ولا نزف بصرةٍ = فذي رسغها قيدٌ و ذي كفّها صفد
ولا كوّة منها البصيص مؤملٌ = تقلّب في نعمائها السندُ و الهندُ
سوى ذروة أتلعتُ فيها مغادرا = وقد شاقني من صوب عليائها بندُ
إلى قمة ما همت إلا بركزها = فلا قبلها قبلٌ ولا بعدها بعدُ
نصبت طموحي في مدارج نورها = وليس لها من صوب مرقبتي رصد
وأسألني لمّا سرى العمرُ هادرا = وهيمنة الإفلاسِ ليس لها حدُّ
أسائلني والجسمُ نضوٌ بسقمه = وبنيانه المرصوصُ بالشوق ينهدُّ
متى حبرةُ البشرى تعانق باصري = ويستلبُ الألبابَ من نورها وقدُ؟
متى تصلت السيف الجموح فينتشي = وقد ذاب شوقا من ترقبه الغمد ؟
متى بتلات الوعد تنفح عطرها = ويثمر في أعذاق سائمها الوعدُ؟
متى نظرةٌ تحيي الموات بتربتي = وعودُ نمائي في وصالك يشتدُّ؟
فقد طحن الجوعُ اللعوبُ مسالكي = وعاق طريقي عن تجلّده أودُ
(أبا صالحٍ) إلاك تأبى غضاضتي = فبرزخك النعماء والمنهل الفرد
تداركْ أخاديد الجفاف بمهجتي = ففي خاطري جدبٌ ومن يدك الرفد
و لازال قلبي طفلةً بدويّةً = وفرعون هذا العصر شيمته الوأد