في رثاء الإمام الحسين (ع)
ابن الخلفة
ناهيك من ركب تقوض مثهم=وحدا به الحادي دجى بترنم
أبدى الرنين فجاوبته حمامة=تنعى على طلل ودارس معلم
هتفت مرجعة لفقد قرينها=فاهتز في الأكوار كل متيم
ذكر المعاهد بين منعرج اللوى=سحراً وسالت عهدها المتقدم
فهمت لواحظه عهاد مدامع=مهراقة تحكي عصارة عندم
ناديته والوجد ملء فؤاده=وعن المحبة والهوى لم يسلم
مه صاحب الشوق المبرح ليس ذا=شأن المحب ولا سجية مغرم
لا تسكب الدمع الهتون ولا تبح=بالسر إن بان إلا حبة واكتم
واحبس ولا تدع المطايا في السرى=تخدي عقيب الظاعنين فترتمي
باتت كمنعطف الحني لطول ما=بخفافها تطوى الوهاد ومنسم
خفض عليك فلست تلقى بعض ما=ألقاه من برح وطول تتيم
قد كنت قبلك يا هذيم إذا دعا=داعي المحبة للصبابة أنتمي
حتى رميت بفادح فأساءني=عض البنان وصفقة المتندم
فلذا لما لاقيت من فرط الأسى=والوجد والبلوى ووشك تألم
لم يشجني ذكر العذيب وبارق=وغزيتين وسفح أم الغيلم
هل كيف تطربني ربوع قد مضى=عنها الخليط ولي لعمرك فاعلم
كل المنازل من همومي كربلا=وجميع أيامي كيوم محرم
يوم به كسفت ذكاء فأصبح=الثقلان في ليل بهيم مظلم
يوم به قمر الدجنة غاله=خسف عقيب نقيصة لم تتمم
يوم به حبس السحاب عن الحيا=ومن السماء نجيع دمع قد همي
يوم به الأملاك عن حركاتها=قد عطلت والكون لم يتقوم
يوم به جبريل أعلن في السما=قتل ابن مكة والحطيم وزمزم
يوم به الأملاك كل منهم=بدلاً عن التسبيح قام بمأتم
يوم به الأرضون والأطواد ذي=مادت وتلك لهوله لم تشمم
يوم به غاض البحار فبت في=عجب لزاخر موجها لم يلطم
يوم به قد بات آدم باكيا=كأبي العزيز غروب طرف قد عمي
يوم به نوح همت أجفانه=دمعاً يسيل كسيل دار مفعم
فكأنما لما طغت أمواجه=طوفانه بعباب طوفان طمي
يوم بقلب أبي الذبيح بدت لظى=بسوى يد النكباء لم تتضرم
إن كان قدما حرها برداً له=أضحى فمن ذي قلبه لم يسلم
يوم به شق الكليم لجيبه=وبغير عرصة كربلا لم يلحم
يوم به أمسى المسيح بمهده=بسوى فصيح النوح لم يتكلم
يوم به هجر الجنان محمد=وبغير عرصة كربلا لم يلحم
ينعى لهتف الجن في غيطانها=وهديل طير في الوقيعة حوم
يوم به الكرار ينفث نفثة=المصدور كالليث الكمي الضيغم
يوم به الزهراء خضب شعرها=بدم وتشكو ربها بتظلم
يوم به قد أصبح الحسن الرضا=يبدي الكآبة عن حشاشة معدم
يوم بركن الدين أوقع ثلمة=أبداً على طول المدى لم تلحم
يوم به للمؤمنين رزية=وبه كعيد للطغاة وموسم
يوم أتى فيه الحسين لكربلا=كالبدر وأبناء الكرام كأنجم
يوم عليه تألبت عصب الخنا=من كل عبد أكوع ومزنم
لم أنس وهو يخوض أمواج الوغى=كالليث ممتطياً جزارة أدهم
فإذا خبت للشوس نار كريهة=بسوى الوشيج بكفه لم تضرم
كم فارس ألقاه يفحص في الثرى=وبفيه غير هضابها لم يكدم
ما زال يفني المارقين بمارق الحرب=العوان بغرب عضب مخذم
حتى دنا المقدور والأجل الذي=يأتي الفتى من حيث ما لم يعلم
زحفت عليه كتائب ومواكب=ورمته من قوس الفناء باسهم
شلت أناملها، رمته ولم تخل=قلب الهدى من قبل أن يرمي رمي
أصمت فؤاد الدين واعجباه من=ركن التقى لمصابه لم يهدم
فهوى كطود هد فارعه على=وجه الثرى من فوق ظهر مطهم
قسما ببيض ظباً رتعن بجسمه=مع كل مطرد الكعوب مقوم
لولا القضاء به لما ظفرت وهل=ظفر البغاث بصيد نسر قشعم
ساموه بعد العز خسفاً وامتطوا=لقتال خير الخألق كل مسوم
الفوه ظامي القلب يجرع علقما=والماء يلمع طامياً في العلقم
حطمته خيل الظالمين وما سوى=صدر المعالي خيلها لم تحطم
عقرت بحد المشرفي فهل درت=وطأت سنابكها لأي معظم
وبقى الإمام على الصعيد مجدلا=عار ومنه الشيب خضب بالدم
ما أن بقي ملقى ثلاثاً في الثرى=لا ناقصاً قدراً ولا بمذمم
لكن ملائكة السماء عليه من=قبل الثلاث صلاتها لم تتمم
وعدا الجواد إلى معرس نسوة=ينعي الجواد برنة وتحمحم
فخرجن ربات البدور نوادبا=كل تشير بكفها والمعصم
ويقلن للمهر الكميت وسرجه=قد مال وهو لمعرك لم يلجم
يا مهر أين سليل من فوق البراق=رقى الطباق السبع ليس بسلم
يا مهر أين ابن الذي بصلاته=يعطي الصلات بعفة وتكرم
يا مهر أين ابن المبيد كماتها=يوم الهرير بصارم لم يثلم
يا مهر أين ابن الذي مهر أمه=ماء الفرات وقلبه منه ظمي
فبكى لندب الطاهرات على الفتى=الندب الكمي دماً وإن لم يفهم
ولهن دل على القتيل إشارة=وهو الصموت دلالة المتكلم
فرأينه في الترب يكرع بالقنا=بيد المنية مر كأس العلقم
وعليه للخرصان نسج سوابغ=حلق لها طول المدى لم تفصم
الله أكبر يا له من فادح=جلل عمر أبي وخطب مدهم
ماء الفرات على الحسين محرم=وعلى بني الطلقاء غير محرم
وابن الدعية في البلاد محكم=وابن النبي الطهر غير محكم
وبنات رملة في القصور وعترة=المختار لم تحجب بسجف مخيم
لعنت عتاة أمية لعناً على=مر الجديد لأنها لم تحلم
قسما ًبمن لبى الحجيج ببيته=من كل ساع في الطفوف ومحرم
ما سن قتل الآل يوم الطف في=سيف الضلال بكف علج مجرم
إلا الألى نقضوا الكتاب وأخروا=فصل الخطاب وغيرهم لم يقدم
هم أسسوا وبنت أمية بعدهم=ويل لهم من حر نار جهنم
فمتى أرى المهدي يظهر معلناً=للحق يوضح بالحسام وبالفم
ويسير في أم القرى في فيلق=لجب وجيش كالأسود عرمرم
ومواكب ترد المجرة خيلها=وسوى فواقع زهرها لم تطعم
يحملن آساداً كأن سيوفها=برق تلألأ في سحاب مظلم
ويطهر الآفاق من عقب غدا=الإيمان عندهم يباع بدرهم
يا سادة في الذكر جبريل لهم=من عالم الشهداء جاء بمحكم
فيكم « محمد » قد أجاد فرائداً=فلغير جيد مديحكم لم تنظم
قد ذاب أقصى القلب منه حين في=تأريخها « طير شدا بترنم »