أما وهنَ العظمُ منها
أما اشتعل الرأسُ شيبا؟
أما حملت كلَّ تلك الرزايا
على عاتقٍ أبهرَ الصبرَ
من صبرهِ وسطَّرَ ملحمة
الثائرين؟
أما قادت الركبَ من مكةٍ راحلة
إلى أنْ أتتْ طيبةً شاكية؟
لها الله كيف تشقُ الطريقَ المموهَ بالرملِ
في ذروةِ الحزنِ نحو سفوح البلاءْ
لها الله كيف تصلي على جملٍ ليلها
وتخرقُ حُجْبَ السماءْ؟
لها الله حينَ تئنُ وترفعُ طرفاً
وتدعو فيهبطُ جبريلُ يحرسُ هودجها
تعلمهُ حينَ ينصتُ للوِردْ فنَّ البكاءْ
أما وهنتْ واستكانتْ؟
ترى السبطَ يهجرُ أرضَ النبوةِ
في موجةٍ منْ قتامْ
تعدُ الليالي وتنتظرُ الساعة المقبلة
وفي يدها سبحةٌ تستمدُ نقاءَ العبادةِ
منْ وجهها الأزهري
إلى أنْ توقفَ مهرُ الحسين على شفا
جرُفٍ قيَّدَ حافرهُ فامتطى آخراً
ولكنْ....!
أعودُ لأسألْ
أما وهنَ العظمُ منها على تربةِ الطفِّ
وهْي ترى الملحمة؟
أما شابَ رأسُ الضياءِ وأظلمَ
جوُ بني هاشمٍ عند انتهاء الضحايا
منَ الركض والسعي بين الخيام؟
لها الله كيف تصلي؟
لها الله كيف رأت كلَّ تلكَ القوافل
من دمها تستباحْ
تُلوحُ للعابرين عليها وداعاً
وتصفقُ راحاً براحْ
تلمُ النساءَ بخيمتها وهْيَ تنسجُ
سجادةَ الصبر منْ دمعها والجراحْ
وتحتضنُ الصارخين اليتامى
تهدئ من روعهمْ
بكفٍ مخضبةٍ من دماء الحسين
لها الله كيف استقامتْ على قدمينْ
وفوق الذراعين تحملُ ثقلَ الإباءْ
إلهي تقبل قرابيننا كيف شئتَ
وخذْ ما تشاء من الأولياءْ
لها الله ما قلبها غير مضغة لحمٍ
تُغذي المآسي شرايينَه بالدماءْ
وتنشرُ أوردةَ مضّها عطشٌ وافدٌ
من زوايا قصور المعربدِ
فوق بلاطٍ أقيم على
جثثَ الأتقياءْ
على جملٍ ضالعٍ تعدُ الضحايا
وترسمُ في الذاكرهْ
فصولَ المذابح
نحر الحسين وكفَّا أبي الفضل
والليلة العاشرهْ
أشارتْ بكوفة للناس كفوا
فردت بذلك أنفاسهم للوراءْ
وخيمَ فصلُ الهدوءْ
فأجهشَ من سمعوا بالبكاءْ
لتقرع سمع الدعاة بصوتٍ
أحالَ الرعاديد أضحوكة
الدهر تلحقهم لعنة اللاعنين
وفي الشام هزتَ بصوتِ عليٍ
عروشاً
وأسقطت التاج من رأس فرعون
حتى غدا
يزيدٌ يفتشُ عن أيِّ كهفٍ
لكي يتقي سقوط سحابات
لعنٍ عليهِ من الشهداءْ
إلى أنْ أتتْ بقافلةِ السبي
تحملُ رأسَ الحبيبِ
إلى كربلاءْ
تُرى هلْ ستدفنُ ما قدْ تبقى لها؟
هو الرأسُ لكنه رأسُ منْ؟
أتخرجهُ بعد أنْ كان يتلو الكتابَ
على رأس رمْحٍ
ويؤنسُ وحشتها في الطريقْ؟
وتعلمُ زينبُ معنى الفراقْ
أيحفرُ قبرُ الحسين
تخافُ بأنْ ينزفَ نحرُ الوليِّ
اشتياقاً لها
وتغرقُ في أبحرٍ منْ بكاءْ
وزينُ العبادِ يراقبُ ذاك الوجعْ
ويدنو من العمةِ المرهقة
ويمسح عنها عناء السفرْ
ويخرجُ رأس الحسين
ليمطره الملكوتُ بسيلٍ من الدمع
في هيئةِ الصلوات
وزينبُ تحتضنُه
وتمسح شيبتهُ وترمقُ ذاك الوقارْ
هنا بقعٌ من دم النحر آلتْ على نفسها
أنْ تسير معه
هنا أثرٌ لسياطٍ على الشفتينْ
هنا قبَّلتهُ وشمَّتْ رياحينه المورقة
فضجَّتْ هنالك سبعٌ شدادْ
ملائكة العرش ترفع أرؤسها
من سجودٍ طويلْ
لتحظى بتقبيله قبل أن يدفنا
إذنْ رجع الرأسُ للمنحرِ
تُرى كيف كان التلاقْ؟