هم حجج الله على خلقه
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
يا ناقِصَ العَقلِ الَبليدِ الغَبي=و ذا الفُؤَادِ الطَّائِشِ المُرعَبِ
حَتَّامَ طُولُ النَّوحِ و المَندِبِ=لِدارِس المَنزِلِ و المَلعَبِ
تَبكي أُناساً حَتفُهُم غالَهُم=مُستَعبِراً تَسألُ أطلالَهُمْ
و فِتيَةً قَطَّعَ أوصالَهُم=صَرفُ الرَّدى بالنَّابِ و المِخلَبِ
ما لَكَ حُزناً لِلبُكا مُدمِنُ=على طُلُولٍ ما بِها قُطَّنُ
ما ذاكَ إلا سَفَهٌ بَيِّنُ=لا يُبلِغِ المَرءَ إلى مَطلَبِ
كَم مِن جَهولٍ دَمعُهُ قَد حكى=نَواطِفَ المُزنِ و وَجداً شَكَى
لا يُحسَنُ النَّوحُ و طُولُ البُكا=إلا على الأطهارِ آلِ النَّبيْ
هُم أوضَحُ الآيِ على صِدقِهِ=مُشارِكُوهُ مُوضِحُو طُرقِهِ
هُم حُجَجُ اللهِ على خَلقِهِ=طُراً مِنَ الحُضرِ و الغُيَّبِ
قالَ رَسولُ اللهِ في حَقِّهِم=مُؤَكِداً يُوصي على بِرِّهِمْ
و حَيثُ كانوا لِلبَلا مَركَزا=كانَ بُكاهُم لِلحَيا مُنجِزَا
و يُبلِغُ المَرءَ بِيَومِ الجَزا=إلى النَّعيمِ الأَدوَمِ الأطيَبِ
هُم أفضَلُ الخَلقِ و خَيرُ المَلا=الأقرَبونَ الأنجَبونَ الأُوَلَى
بَلاؤُهُم أعظمُ كُلِّ البَلا=لأنَّهُ الأقربُ لِلأقرَبِ
ما مِنهُم إلا مُصابٌ بِذِي=كُفرٍ شَديدٍ و لِسانٍ بَذي
أمَّا رَسولُ اللهِ فَهوَ الذي=حُوصِرَ في الشِّعبِ بِلا مُوجِبِ
فَطَالَمَا جارَ عَلَيهِ العِدا=و عَرَّضوهُ لِسِهامِ الرَّدَى
و أوعَدُوهُ القَتلَ حَتَّى غَدَا=مُستَتِراً في الغارِ بالعَنكَبِ
كَم ذي نِفاقٍ حَسَداً عانَهُ=فَشَرَّدَ الكُفَّارُ أعوانَهُ
و كَسَّروا في الحَربِ أسنانَهُ=و هَدَّموا مِن ثَغرِهِ الأشنَبِ
كَم نَقَضُوا أمراً لَهُ أبرَمَا=و حَلَّلُوا شَيئاً لَهُ حَرَّمَا
و اغتَصَبُوا حَقَّ عَليٍّ و ما=لَهُ مِنَ الإِمرَةِ و المَنصِبِ
تعاقَدوا ألا يُطيعونَهُ=و قَلَّدوا أمرهُم دونَهُ
و استضعفوهُ إذ يَقودونَهُ=مُلَبَّباً يُعزَلُ عن مَنصِبِ
قَد أظهَروا إسلامَهُم حيلَةً=بالكُفرِ و الإلحادِ مَوصُولَةً
ثم استباحوا دَمَهُ غيلَةً=بسَيفِ أشقى كافِرٍ مُذنِبِ
و آثَروا الدُّنيا و أخباثَهَا=قد أمِنُوا الأُخرى و أحداثَهَا
و اغتَصَبوا الزَّهراءَ مِيراثَها=و خالَفوا ما قالَ فيها النَّبي
سُحقاً لَهُم قد آثَروا ما يُضِر=حتَّى أضَلُّوا النَّاسَ عَبداً و حُرْ
و الحَسَنُ الزَّاكي أذاقوهُ مُر=المَوتِ إذ سَمُّوهُ في المَشرَبِ
كَم بَدرِ تَمٍّ في الورى أزهَرا=قد غيَّبوهُ في طِباقِ الثَّرَى
و أعظَمُ الأرزاءِ أمرٌ جَرَى=في كَربَلا مِن فادحٍ أعصَبِ
ما بَعدَهُ كانَ و لا قَبلَهُ=خَطبٌ عَظيمٌ فادِحٌ مِثلَهُ
ما وَلَدَت أُمُّ الرَّزايا لَهُ=مِن مُشبِهٍ في سالِفِ الأعقُبِ
كَم من كُبُودٍ منهُ قد أُحرِقت=و أعيُنٍ في دَمعِها أُغرِقَتْ
غداةَ سبط المُصطفى أحدَقَت=بهِ جُنُودُ الكُفرِ في مَوكِبِ
لم يُبصِروا نَهجَ هُدىً مِن عَمَى=كَلَّا و لا خافوا إلهَ السَّما
عِدَّتُهُم سَبعونَ ألفاً و ما=لَهُم سِوَى الإلحادِ مِن مَذهَبِ
ما آمَنوا باللهِ يَوماً و لا=بِمُرسَلٍ أرسَلَهُ لِلمَلا
يَقودُهُم الرِّجسُ ابنُ سَعدٍ إلى=حَربِ الإمامِ الأطهَرِ الأطيَبِ
سُحقاً لَهُم ضَلُّوا طَريقَ الرُّشُدْ=و قاتَلوا رُكنَ الإلهِ الأشَدْ
حتى حَمَوا مِن دُونِهِ ألماً و قَدْ=سَخوا بِهِ لِلكَلبِ و الثَّعلَبِ
تَباً لِدَهرٍ أبَداً ما صَفا=و لا وَفَى يَوماً لأهلِ الصَّفا
فانتَدَبَ الأنصارَ أهلَ الوَفَا=رِعايَةً لِلدِّينِ و المَّذهَبِ
مِن كُلِّ مَقصودٍ على أمرِهِ=يُشرِقُ نُورُ الحَقِّ في سِرِّهِ
يَرَونَ مُرَّ المَوتِ في نَصرِهِ=مِثلَ مَذاقِ السُّكَّرِ الأعذَّبِ
فَقَابَلوا الخطِّيَّةَ الشُّرَّعا=و عانَقوا الهِندِيَّةَ القُّطَّعا
حتَّى غَدَوا من حَولِهِ صُرَّعا=مِن خَيرِ شُبَّانٍ و مِن شِيَّبِ
أفدي حُسَيناً بَينَ عَسَّالَةٍ=و أسهُمٍ لِلرُّوحِ مُفتَالَةٍ
و ظَلَّ مَول الناسِ في حالَةٍ=تُذيبُ قَلبَ الجَلمَدِ الأصعَبِ
لَو طَرَقَت غَيرَ حُسَينٍ غَدَا=مُندهِشاً مُستسلِماً لِلعِدَا
فتارَةً يَنظُرُ نَحوَ العِدَا=و تارةً يَرنو إلى المَضرِبِ
أمرٌ تُهَدُّ الصُّمُّ مِن ثِقلِهِ=و يَضعُفُ العالَمْ عَن حَملِهِ
يرى العِدا تَكدَحُ في قَتلِهِ=مِن كُلِّ رِجسٍ حاقِدٍ مُغضِبِ
كُلٌّ عَلَيهِ هَزَّ خَطَّارَهُ=و وَجَّهَ المَلعونُ بَتَّارَهُ
و تارةً يَنظُرُ أنصارَهُ=تَعدو عَلَيها الخَيلُ في سَبسَبِ
يَرَى بَنيهِ بِالدَّمِ السَّائِلِ=مَخضُوبَةَ السَّاعِدِ و الكاهِلِ
و نِسوَةً تَبقى بِلا كافِلِ=و صِبيَةً تَرنو إلى المَشرَبِ
يا حَسرَتَا يا لَيتني بِعتُهُ=نَفسي بِلا مَنٍّ و واسَيتُهُ
يا لَهفَتَا لَمَّا تَصَوَّرتُهُ=مُوَدِعاً يُوصي إلى زَينَبِ
زَينَبُ يا أُختي اسمَعي و اعلمي=بِأَنَّ أعدائي استَحَلُّوا دَمِي
لا تَنشُري شَعراً و لا تَلطِمِي=خَدَّاً إذا صَرفُ الرَّدى حَلَّ بي
و سَلِّمي للهِ فيما قَضَى=فَكَم عَزيزٍ لَكِ قَبلي قَضَى
و استَعمِلي الصَّبرَ و حُسنَ الرِّضَا=إن تُضرَبي يا أُختُ أو تُسلَبي
و بَعدَ أن وَدَّعَها قد مضى=كأَنَّ في الأحشاءِ نارُ اللَّظى
و اقتَحَمَ الهَيجا بِوَجهِ الرِّضا=مَن كَثرَةِ الأعداءِ لَم يَرهَبِ
مُستَبشِراً بِالقَتلِ لا عابِسُ=لِجُلِّ راياتِ العِدا ناكِسُ
ما شامَ حَدَّي سَيفِهِ فارِسُ=إلَّا التَجَا لِلفَرِّ و المَهرَبِ
تاللهِ لَولا اللهِ رَبِّي قَضَى=عَلَيهِ بالقَتلِ لَما أبهَضَا
لكِنَّهُم سَدُّوا عَلَيهِ الفَضَا=بِأَسهُمٍ كالمَطَرِ الصَّيِّبِ
فَلَم يَزَل في ضَيِّقِ المَوقِفِ=يُجَدِّلُ الأبطالَ بِالمَشرَفي
حتى أتاحَ القَدرُ الحَتمَ في=فُؤَادِهِ سَهمَ الرَّدَى المُعطِبِ
فَمَرَّ يَسري خارِقاً قَلبَهُ=مُضَاعِفاً مِن ألَمٍ كَربَهُ
فَخَرَّ مُلقىً شاكِراً رَبَّهُ=في غَيرِ ما يُرضيهِ لَم يَرغَبِ
فَكُوِّرَت إذ ذاكَ شَمسُ الضُّحَى=و انطَمَسَ الدِّينُ لَهُ و امتَحَا
صَهْ يا لِساني لا تَكُن مُفصِحَا=عَمَّا جَنَى شِمرٌ على ابنِ النَّبي
لَم يَحمل القلب المعنى لما=جَنَاه إن فعلته معلما
فإنَّهُ أمرٌ تَكَادُ السَّما=تَنشَقُّ مِن مَوقِعِهِ الأصعَبِ
و تَصبِغُ الشَّمسُ لَهُ فُرقَها=بِحالِكٍ ذاهِلَةٍ طُرقَهَا
و تَرجُفُ الأرضُ بِما فَوقَها=مِن ساكِني المَشرقِ و المَغربِ
ما قَطُّ عَيشٌ لِوَليٍّ حَلا=و لا صَفا مَشروبُ أهلِ الوَلا
و حُرمَةُ المَقتولِ في كَربلا=و جَدُّهُ المَدفونُ في يَثرِبِ
و حَقُّ سِرٍّ مُودَعٍ عِندَهُ=و زُلفَةٍ فازَ بِها وَحدَهُ
ما حَسَرَت ريحُ الصَّبَا بَعدَهُ=قِناعَها عَن نَفسٍ طَيِّبِ
و يَضرِمُ القلبَ بِنارِ الأسى=و يُتلِفُ الأبدانَ و الأنفُسا
و يُحرِقُ الأحشاءَ سَوقُ النِّسا=على الجِمالِ البُزَّلِ الصُّعَّبِ
كُلٌّ تُناجي مِ، جَوَىً أُختَهَا=أكبادُها عِظمُ البَلا فَتَّهَا
لا فَوقَها سِترٌ و لا تَحتَهَا=فُرشٌ سِوى الأحزانِ و المَندِبِ
و الثُّكلُ حُزناً قَلبَها قَطَّعَا=و ضَربُ أعداها لها أوجَعَا
ما أبصَرَت إلا رَأَت مُفجِعَا=و مُؤلِماً لِلخاطِرِ المُتعِبِ
تَخضَعُ مِن ذُلٍّ لِسَلّابِهَا=و تُحسِنُ الرَّدَّ لِسَبَّابِهَا
قِدَّامَها أرؤُسُ أحبابِهَا=تُشرِقُ كالأقمارِ في غَيهَبِ
جُسُومُهُم في القَفرِ مَوضُوعَةٌ=و رُوسُهُم بِالبَترِ مَقطوعَةٌ
على رِماحِ الخَطِّ مَرفوعَةٌ=كَي لا تُعَدَّى رِفعَةَ المَنصِبِ
على العَوَالي دَمُها قَد جَرَى=تُشهَرُ في بُلدَانِها و القُرَى
و خَلفَهَا أبدانُهُم بِالعَرَى=بِغَيرِ نَسجِ الرِّيحِ لَم تُحجَبِ
مِن بَينِها السَّجَّادُ مَوجوعَةٌ=مُتُونُهُ و اليَدُ مَمنُوعَةٌ
و حَولَهَا الأيتامُ مَفجوعَةٌ=كُلٌّ تُنادي وا أبي وا أبي
قد ضَيَّقوا في الأسرِ أغلالَها=و غَيَّروا بالضَّربِ أحوالَها
و زَينَبُ تَدعو لِما نالَها=يا غِيرَةَ اللهِ لَنا فاغضَبي
يا جَدَّنا فَقدُ أخي مَضَّني=و ثِقلُ ما بي مِن أسىً كَظَّني
يا أمَّنا الزَّهراءَ إن تَحزَني=لِفَقدِ شَيءٍ فاحزَني و اندُبي
يا أُمَّنا قد سَبَّ عِرضيِ البَذي=و أسهَرَ الأحزانُ طَرفي القَذي
قد وَقَعَ اليَومَ عَلَينا الَّذي=تَخشَينَهُ مِن قَبلُ أن تَذهَبي
فَرخُكِ يا زَهراءُ و المُلتَجَى=و كَنزُنا الغالي و كَهفُ الرَّجَا
عَزيزُكِ المأمولُ و المُرتَجَى=و غايَةُ البُغيَةِ و المَطلَبِ
يا أُمَّنا الزَّهرا عليهِ اعتدَى=و سَلَّطَ اليَومَ عليهِ العِدَا
أخي حُسَينٌ و عَزيزي غَدَا=يُذبَحُ ذَبحَ الشاةِ في المَقصَبِ
يا أُمَّنا ها رأسُهُ في القَنَا=يُسرى بِهِ جَهراً و يُسرى بِنَا
و السَّيِّدُ السَّجَّادُ ما بَينَنَا=في الأسرِ فَوقَ الأعجَفِ الأجرَبِ
يَبكي و ثِقلُ القَيدِ قد كَظَّهُ=تَسِبُّ أوغادُ العِدا عِرضَهُ
إذا رَأَى ما نالَنا مَضَّهُ=الحُزنُ و إن يَغضَب لنا يُضرَبِ
فَيَا فُؤادي ذُب و يا زَفرتي=شُبِّي فقد أُفجِعتُ في إخوَتي
فيا سُرُوري غِب و يا عَبرَتي=صُبِّي و يا سَلوَةِ قَلبي اذهَبي
يا سادَةً خِدمَةُ أبوابِهِمْ=صَيَّرَها الأملاكُ مِن دابِهِمْ
يا سادَةً طابوا فَطِبنا بِهِمْ=و مَرجِعُ الطَّيِّبِ للطَّيِّبِ
قد شَفَّنا الوَجدُ لأرزائِكُمْ=و مَضَّنَا الحُزنُ لِلَأْوْائِكُمْ
حُبُّكُم مع بُغضِ أعدائِكُمْ=لنا تُراثٌ وَلَدٌ عن أَبِ
إذا أتى مَولاكُمُ رَبَّهُ=فَرَجتُم في حَشرِهِ كَربَهُ
فَكَيفَ يَخشى أحمَدٌ ذَنبَهُ=و أنتُمُ الجُنَّةُ لِلمُذنِبِ
جَرَائِري تُمحى و إن عَظُمَتْ=و كُتْبُ أعمالي بِها أظلَمَتْ
فَقُل لِنارٍ لِلعِدا أُضرِمَتْ=تَسكُني إن شِئتِ أو فالهَبي
كُونُوا لَنَا حِصناً و آبائِنَا=و كُلِّ راءٍ مِثلَ آرائِنَا
تَشَفَّعوا فينا و آبائِنَا=و كُلِّ مَولَى سَيِّىء المَكسَبِ
كُونُوا لَنَا ذُخراً بِيَومِ الجَزَا=و كُلِّ خِلٍّ حُبُّكُم أحرَزَا
لا سِيَّمَا دَرويش باني العَزَا=عَلَيكُمُ بِالنَّوحِ و المَندِبِ
فَإنَّكُم سُفنُ نَجاةٍ غَدَا=و أنتُمُ أعلامُ طُرقِ الهُدَى
صَلَّى عَلَيكُم رَبُّكُم ما بَدَا=بِالقُبَّةِ الزَّرقا سَنَا كَوكَبِ