فزت و حبّذا من مصرع
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
ما بالُ طَرفكَ ساهِرٌ لا يَرقَدُ=و غَزيرُ دَمعِكَ ساكِبٌ لا يَجمَدُ
أشجاكَ صَوتُ حَمَامَةٍ تَشدو على=رُوسِ الغُصونِ و لِلمَنَاحِ تُرَدِّدُ
أو شِمتَ بارِقَ بارِقٍ لَمَّا بَدَا=أو عَنَّ رَكبٌ مُتهِمٌ أو مُنجِدُ
أو مَسَّ قَلبَكَ نَفحَةٌ مِمَّا جَرَى=يَومَ الطُّفوفِ فَلَم تَزَل تَتَوَقَّدُ
خَطبٌ عَظيمٌ أعقَمَت عَن مِثلِهِ=أُمُّ الخُطوبِ فَمِثلُهُ لا يُولَدُ
خَطبٌ بِهِ فُقِدَ الحُسَينُ و لَيتَهُ=نالَ البَقاءَ و ما سِواهُ يُفقَدُ
ما عَنَّ مَفقَدُهُ بِخاطِرِ فاقِدٍ=إلَّا و أرخَصَ عِندَهُ ما يَفقِدُ
تَبَّت يَدا الدَّهرِ الخَؤُونِ و شُلَّتا=أغرى بِهِ قَوماً طَغَوا و تَمَرَّدُوا
عَمِيَت عُيُونُ قُلُوبِهِم عَن فَضلِهِ=و لِنورِ شَمسِ جَلالِهِ لَم يَهتَدُوا
أرجاسُ حَربٍ نازَلُوهُ بِحَربِهِم=و عَلَيهِ أنحاءَ السَّلامَةِ سَدَّدُوا
فَهُناكَ عَينُ عِنايَةِ الوَهَّابِ قَد=لَحَظَت أُنَاساً بالمَوَاهِبِ أُيِّدُوا
بَزَغَت شُمُوسُ الحَقِّ في ألبَابِهِم=حتَّى لَقَد شَهِدوا الَّذي لا يُشهَدُ
سَعِدوا بِهِ و تساعَدوا و تعاوَنوا=في نَصرِهِ حَتَّى قضَوا و استُشهِدُوا
قَومٌ بِهِ سَعِدوا و قَومٌ قَد شَقَوا=و اللهُ يُشقي مَن يَشاءُ و يُسعِدُ (1)
لَم أنسَهُ مِن بَعدِ قَتلِ حُماتِهِ=يَدعو ألا هَل مُسعِدٌ هَل مُعضِدُ
هَل مُبتَغٍ لِلفَوزِ في يَومِ الجَزَا=هل طالِبٍ طُرقَ الرشادِ فَيَرشَدُ
هَل تابِعٍ حُكمَ الكِتابِ و نَصِّهِ=في حُبِّ ذي قُربى النَّبيِّ يُؤَكِّدُ
أنا سِبطُ خِيرَةِ رَبِّكُم مِن خَلقِهِ=و سَليلُ بَضعَتِهِ فَنِعمَ المَحتَدُ
إن تَجهَلوا شأني فهذي هَل أتى=تَتلُو مَديحي دائِماً و تُعَدِّدُ
في والِدَيَّ و في أخي قَد أُنزِلَت=نَصَّاً و فيَّ فما لَكُم لم تَهتَدُوا
من آل ياسينٍ و نُونَ و ما النَّبا=نَحنُ الَّذي نُنعى بِذاكَ و نُقصَدُ
سُدَّت مَسَامِعُهُم عَنِ النُّصحِ الَّذي=أبدَى لَهُم و استَكبَروا و تَمَرَّدُوا
لا غَروَ لو مَجُّوا نَصوحَ النُّصحِ مِن=أفواهِهِم و استَعذَبوا ما يُفسِدُ
خَبُثَت جِبلَّتُهُم و أظلَمَ سِرُّهُم=و قَبيحُ فِعلِهِمُ بِذلِكَ يَشهَدُ
فَمَضَى الإمامُ إلى الخيامِ مُوَدِّعاً=و الحُزنُ في أحشائِهِ يَتَرَدَّدُ
يَدعو بِتِلكَ الطَّاهِراتِ و دَمعُهُ=في الخَدِّ يُسكَبُ جارياً لا يَجمَدُ
يا خَيرَ مَن يُسلَبنَ ثَوبَ الصَّونِ لا=تَجزَعنَ إن عَضَّ الزَّمانُ الأنكَدُ
و اصبِرنَ في البَلوَى العَظيمَةُ وَقعُها=فالصَّبرُ أولى بِالمُصابِ و أحمَدُ
فإذا رأيتُم جُثَّتي مَطروحَةً=و الرَّأسُ يَرفَعُهُ الأصَمُّ الأملَدُ
فاستَمسِكُوا باللهِ و اعتَصِموا بِهِ=فَهُوَ المَلاذُ لِمَن إلَيهِ يَصمَدُ
فَتَعَلَّقَت بِرِكابِهِ أخواتُهُ=و بَنَاتُهُ و قُلُوبُها تَتَوَقَّدُ
يَدعينَ يا خَلَفَ النَّبيِّ و حَيدَرٍ=و الكافِلُ المُتَشَفِّقُ المُتَوَدِّدُ
أنَراكَ مَقتولاً ذَبيحاً بِالعَرَا=يا لَيتنا مِن قَبلِ فَقدِكَ نُفقَدُ
و سَعَى إلى الأعدا بِقَلبٍ ثابِتٍ=في مَوقِفٍ فيهِ يَذوبُ الجَلمَدُ
مِن فَوقِ مُنجَرِدٍ سَبُوحٍ طَبعُهُ=طَردُ العِدا لكِنَّهُ لا يُطرَدُ
في كَفِّهِ ماضي الغَرارِ كأنَّهُ=قَبَسٌ إذا عَن جَفنِهِ يَتَجَرَّدُ
و سَطَى بِهِم سَطَوات والِدِهِ بِهِم=فَتَفَرَّقوا مِن بأسِهِ و تَبَدَّدُوا
لكِنَّهُم سَدُّوا الفَضَاءَ بأسهُمٍ=كالقَطرِ تُرسَلُ نَحوَهُ و تُسَدَّدُ
فانحَطَّ عَن ظَهرِ الجوادِ بِنَبلَةٍ=و عُلاهُ يَعلو لِلسَماءِ و يَصعَدُ
و يَقولُ فِزتُ و حَبَّذا مِن مَصرَعٍ=فيهِ رِضا الرَّحمانِ و هوَ المَقصَدُ
فَدَنَا لَهُ الباغي سِنانُ فَهَابَهُ=حَتَّى تَوَلَّى و هوَ خوفاً يُرعِدُ
فَبَقى على وَجهِ الثرى مُتَقَطِّراً=فأتى لَهُ الشِّمرُ الخَبيثُ المَولِدُ
فَعَلَى قَذاهُ قَسوَةً و جراءَةً=لا خائِفاً إثماً و لا مُتَرَدِّدُ
فَدَعاهُ سِبطُ المُصطفى مِن أنت يا=شَّرَ الورى و الكافِرُ المُتَمَرِّدُ
هُدَّت قِواكَ أَأَنتَ تَدري مِن أنا=و أبي و جَدِّي أم جَهولٌ تُرشَدُ
فأجابَهُ أنتَ الحُسَينُ و أُمُّكَ=الزَّهرا و والِدُكَ النَّبيُّ مُحَمَّدُ
لكِنَّني أرجو بِقَتلِكَ حُظوَةً=عِندَ الخَليفَةِ مِثلُها لا يُوجَدُ
فأجابَهُ مَولَى الوَرَى ما عِندَهُ=يَفنى و ما هوَ عِندَنَا لا يَنفَدُ
يا شِمرُ إن تَعزِم على قَتلي اسقِنِي=ماءً لَعَلَّ غَليلَ قَلبي يَبرُدُ
فَأَجَابَهُ بَغياً سَيَسقِيكَ الرَّدى=سَيفٌ صَقيلُ الصَّفحَتَينِ مُهَنَّدُ
فَبَرى وَريدَيهِ و شالَ بِرأسِهِ=فَوقَ القَنَاةِ و نُورُه يَتَوَقَّدُ
كالشَّمسِ بَل و اللهِ لَولا نُورِهِ=ما كانَ يُوجَدُ نَيِّرٌ أو مُكمَدُ
و أُسِقَتِ النِّسوانُ أسرى حُسَّراً=مِن بَينِها السَّجَّادُ و هوَ مُقَيَّدُ
تَدعو بِأربابِ العُلى مِن هاشِمٍ=هل تَشهَدونَ اليَومَ أم لَم تَشهَدُوا
يا جَدُّ عَبدُ مُنافٍ يا أبا طالِبَ=يا حَمزَةُ اللَّيثُ الهَصُورُ السَّيِّدُ
يا جَعفَرُ الطَّيارُ في الجَنَّاتِ يا=مَن جارُهُم بَينَ الأنامِ مُؤَيَّدُ
يا أحمَدُ المُختارُ يا خَيرَ الوَرَى=يا حَيدَرُ الكَرَّارُ و المُستَنجَدُ
هذا الحُسَينُ عَزيزُكُم و حَبيبُكُم=مُلقىً صَريعاً بِالعَرَى لا يُلحَدُ
و كَريمُهُ فَوقَ القَنَاةِ مُعَلَّقٌ=يَعنو لِرِفعَتِهِ السُّهى و الفَرقَدُ
و حَريمُهُ و بَنَاتُهُ بَينَ الوَرَى=تُسبى كما تُسبى الإما و الأعبُدُ
لَم يَبقَ مِن أرحامِها و رِجالِها=إلَّا عَليلٌ بِالحَديدِ مُصَفَّدُ
تُهدى و رأسُ أميرِها قِدَّمُها=لِمُنافِقٍ رَذلٍ نَمَاهُ مُلحِدُ
لَعنٌ مِنَ الجَبَّارِ يَغشاهُ و مَن=لِقَبيحِ ما كَسَبَت يَداهُ مَهَّدُوا
يا سادَةً فازَ الوَليُّ بِحُبِهِم=و بِبُغضِهِم خابَ العَدُوُّ المُبعَدُ
والَيتُكُم و بَرِئتُ مِن أعدائِكُم=واللهُ عَلَّامُ السَّرائِرِ يَشهَدُ
هذا هوَ السَّبَبُ الذي يَرجو بِهِ=نَيلَ السَّعادَةِ في القيامَةِ أحمَدُ
لا غَيرُهُ إلا شَفَاعَتُكُم إذا=نُشِرَت صَحَائِفُنا و جاءَ المَوعِدُ
فَتَشَفَّعوا في عَبدِكُم و أبيهِ و=الأُمِّ الَّتي طابَت فَطَابَ المَولِدُ
هاكُم سَلاطينَ القيامَةِ مِدحَةً=في ضِمنِها دُرُّ المَعَاني يُنضَدُ
وَزناً لِما قَد قالَ قَبلي والِدي=(أتَظَلُّ تُطرِبُكَ الطُّلولُ الهُمَّدُ)
و عَلَيكُم صَلَّى إلهُ الخَلقِ ما=خَرَّت لِعِزَّتِهِ الوُجُوهُ السُّجَّدِ