بدت نارهم ليلا
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
بَدَت نارُهُم لَيلاً لنا أيمَنَ الشُّعبِ=فأطفى سناها ما تأجَّجَ في قَلبي
فَبَشَّرتُ صَحبي باللِّقا بَعدَ يَأسِهِمُ=و أومَأتُ لِلحادي إلى نَحوِها مِل بي
فَلما تلاقَينا اجتمعنا على الرِّضا=و أعرَضَ كُلٌّ عَن شَكَاةِ و عَن عَتبِ
رَكَبنا عَظيماتِ الشَّدائِدِ في السُّرى=و في السَّيرِ حتى بُدِّلَ البُعدُ بالقُربِ
إذا كانَ وَصلُ الحُبِّ لِلسَّيرِ غايَةٌ=و جَدنَا يَقيناً راحَةَ السَّهلِ في الصَّعبِ
ألَم تَرَ لاستِحلاءِ أصحابِ كَربَلا=مَرَارَةَ ما لاقُوهُ في مَعرِكِ الحَربِ
تَجَلَّى إلَيهِم م يَكونُ أقَلُّهُ=مُشاهَدَةُ الحُورِ الحِسانِ بلا حُجبِ
فهانَت علَيهم عِندَ ذاكَ نُفُوسُهُم=و كُلُّ جَليلٍ هَيِّنٌ في رِضى الرَّبِّ
فَهَل ضَرَّهُم مِن بَعدِ ذلِكَ أن غَدَت=جُسُومُهُمُ بالطَّفِّ صَرعى على التُّربِ
و أن قَد عَلَت رُوسَ الرِّماحِ رُؤُوسُهُم=تُواري إذا جَنَّ الدُّجى نَيِّرَ الشُّهبِ
و إن أنسَ لا أنسى الحُسَينَ ابن خِيرَةِ=النَّبِيِّينَ والي الناسِ في الشَّرقِ و الغَربِ
يَصولُ على الأعداءِ مِن غَيرِ ناصِرٍ=و يَختَطِفُ الأرواحَ بالقاطِعِ العَضبِ
إذا كَرَّ صارَ الدَّهرُ يَخفِقُ قَلبُهُ=و يَرهَبُهُ المَوتُ المُميتُ مِنَ الرُّعبِ
يُجالِدُهُم بالسَّيفِ طَوراً و تارَةً=يُخاطِبُهُم بالنُّصحِ و اللَّومِ و العَتبِ
يَقولُ لَهُم إن تَجهَلوني فَإنَّني=بِغَيرِ افتِخارٍ سَيِّدُ العُجمِ و العُربِ
و قد فَرَضَ اللهُ المُهَيمِنَ طاعَتي=و أوجَبَ في آياتِ قُرآنِهِ حُبِّي
فما بالُكُم حَلَّلتُمُ اليَومَ حُرمتي=و سَوَّغتُمُ قَتلي و جَوَّزتُمُ حَربي
أتَرجونَ مِن جَدِّي النَّبيِّ و مِن أبي=شفاعَتَهُ و الشُّربَ بالكَوثَرِ العَذبِ
أسِبطُ رَسولِ الله يَهلَكُ بالظَّما=و هذا مُباحُ الماءِ مَكرَعَةُ الكَلبِ
فَلَم يَنفَعِ النُّصحُ البَليغُ لَدَيهِمُ=و مالوا عَلَيهِ بالمُهَنَّدَةِ العَضبِ
و حَطُّوهُ عَن ظَهرِ الجوادِ مُجَدَّلاً=بِسُرعَةِ لُقيا رَبِّهِ فَرِحَ القَلبِ
فيا لَيتَ عَينَ المُصطفى الطُّهرِ أحمَدٍ=تُشاهِدُه بالطَّفِّ يَفحَصُ في التُّربِ
و تَشهَدُ شِمراً حِينَ حَزَّ كَريمَهُ=و عَلَّاهُ عُدواناً على مُصمَتِ الكَعبِ
و يا حَيدَرَ الكَرَّارَ هَل أنتَ عالِمٌ=بما قَد جَنَتهُ في بَنيكَ بَنو حَربِ
مَلَكتَهُمُ بالسَّيفِ قَهراً و لَم تَزَل=سَجيَّتُكَ الصَّفحَ الجَميلَ عَنِ الذَّنبِ
فجازوكَ إذ أعطاهُمُ الدَّهرُ مَكنَةً=بِأقبَحِ ما استَطَاعوا مِنَ القَتلِ و السَّلبِ
و هَتكِ حَريمٍ لا تَرَى الشَّمسَ عِفَّةً=و صَوناً بِلا سِترٍ على العُجُفِ الجُربِ
و سَوقِ حَبيبِ اللهِ حَقاً و جَنبِهِ=و حُجَّتِهِ بالعُنفِ و الزَّجرِ و الضَّربِ
إلى كافِرٍ باللهِ و الشَّرعِ جُملَةً=و مُستَهزِئٍ بالدِّينِ و الرُّسلِ و الكُتبِ
فَيَا نَكبَةً في الناسِ عَمَّ بَلاؤُها=و خَطباً عَظيماً جَلَّ ذلِكَ مِن خَطبِ
و نارَ مُصابٍ أحرَقَت لَهَبَاتُها=قُلوبُ الوَرَى إلَّا أُولي البُغضِ و النَّصبِ
و يا وَقعَةً عُظمى تَهِدُّ قِوى العُلى=و تَترُكُ عَينَ المَجدِ دائِمَةَ السَّكبِ
أسِبطُ رَسولِ الله يُذبَحُ ظامِياً=إلى الماءِ يَرنو لَيسَ يَظفَرُ بالشربِ
و يُمسي يَزيدٌ في الأنامِ مُمَلَّكاً=يَدينُ إلَيهِ الناسُ في الشَّرقِ و الغَربِ
و آلُ رسولِ الله في الأرضِ خُوَّفٌ=و آلُ زيادِ الرِّجسِ آمِنَةُ السَّربِ
و تُسبى بناتُ المُصطفى بَعدَ صَونِها=و نَسلُ الزَّواني في الصِّيانَةِ و الحُجبِ
فيا كَبِدي ذوبي و يا زَفرتي اصعَدي=و يا سَلوتي غيبي و يا مُقلتي صُبِّي
على مِثلِهِم يُستَقبَحُ الصَّبرُ و العزا=و يُحسَنُ صَرفُ العُمرِ في النَّوحِ و النَّدبِ
سأبكي بِمِذرارِ المَدَامِعِ و الدِّما=إذا بَخِلَت بالقطرِ و كافَةُ السُّحبِ
إلى أن يَقومَ العدلُ من آلِ أحمَدٍ=و يَكشِفُ عَنَّا غُمَّةَ الضُّرِّ و الكَربِ
و يَرفعُ مَخفوضَ المُحِبينَ فَتحُهُ=و يَكسِرُ جَزماً ما بَناهُ أُولُو النَّصبِ
أَغَوثَ الورى عَجِّل فقد عيلَ صَبرُنا=و ضاقَت علينا الأرضُ مولايَ بالرَّحبِ
إلامَ الجِيادُ الجُردُ تَصلِكَ لُجمَهَا=و تَركُضَ في الأرسانِ شوقاً إلى الحَربِ
و أسيافُنا مَولايَ مِن بُعدِ عَهدِها=مِنَ السَّلِّ تَشكو عِلَّةَ اللَّبثِ في القُربِ
متى أحمَدُ العاني يَرَى رايَةَ الهُدى=مَعَ الصِّنجَقِ المَنصورِ في الحَربِ بالرُّعبِ
و مِن آلِ ضَيفِ الله خَلفي عِصابَةٌ=سَجيَّتُها الإقدامُ لِلطَّعنِ و الضَّربِ
هُنالِكَ يَقضي لِلمَعالي حُقوقَهَا=و يُظهِرَ ما قَد كانَ أُضمِرَ في القَلبِ
أيا سادَةً أعدَدتُهُم لي وَسيلَةً=إذا أنا في حَشري قَدِمتُ على رَبِّي
إذا جِئتُ في يَومِ المَعَادِ بِحُبِّكُم=و بُغضِ عِداكُم سادَتي لَم أخَف ذَنبي
مَحَبَّتُكُم في نَيلِ ما أرتجي و في=كِفايَةِ ما أخشاهُ مِن ضَرَرٍ حَسبي
رَجَوتُكُم أن تَشفَعوا لي و والِدِي=و أُمِّي و إخواني و وِلدِيَ و الصَّحبِ
و مُستَمعِ شِعري و قاريهِ فيكُم=و كُلِّ شَريكٍ في التَّشَيُّعِ و الحُبِّ
وَفَدنا علَيكُم واثِقينَ بِفَضلِكُم=جَميعاً و رِفدُ الوَفدِ مِن شيمَةِ العُربِ
عَلَيكُم سَلامُ اللهِ ما إن بكُم دَعَا=مِنَ النَّاسِ مَكروبٌ فَنُجِّي مِنَ الكُربِ