غريب طوس
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أصبحتُ في كُرَّمَانِ اليومَ مَحبوسَا=مُبرَّحاً في بِحارِ الغَمِّ مَغموسَا
مُبَلبَل اللُّبِّ مَحشوَّ الحَشَا أسَفاً=موَزَّعَ البالِ تَثليثاً و تَسديسَا
أظُنُّ إقليدساً في الذُّرّ لاحَظَهُ=فكانَ ذاكَ لِشَكلِ التّرسِ تأسيسَا
معكوس موُجِبَةَ الآمالِ أجمَعُها=عكسَ النَّقيضِ و لَيسَ العَكسُ مَعكوسَا
في القلبِ مِنِّي هُمومٌ=جالَت بِمُعتَرَكٍ ضَنكٍ كَرَاديسَا
إنِّي أقَمتُ بِمِصرٍ جُلُّ قاطِنِهِ=عُبَّادُ نارٍ و ضَرَّابو نواقيسَا
لم ألقَ في أرضِها شيئاً أُسَرُّ بهِ=و لا وجدتُ بها درساً و تدريسَا
بلى مدارِسَ منقوشاً جوانِبُها=تخالُها مِن أصابيغٍ طواويسَا
لقد رَمَتني مجانيقُ القضاءِ بِها=لأُمِّ رأسي تحليقاً و تنكيسَا
أن أُمسِ ذا غُربةً في كَرَّمانَ فَقَد=أمسى غريباً عَلِيُّ الطُّهرُ في طُوسَا
شمسُ الجلالَةِ مّرِّيخُ النَّبالةِ ميزانُ=العدالةِ قِسطاً ليسَ مَبخُوسَا
قُطبُ الوِلايَةِ مِفتاحُ الدِّرايَةِ=مِصباحُ الهِدايَةِ نُورٌ مِن مقابيسَا
صِحاحُ أخبارِ علمِ المُصطفى جُمِعَتْ=لهُ فَكَانَت لِكُلِّ العِلمِ قاموسَا
توراةُ مُوسى و إنجيلُ المسيحِ معاً=في عِلمِهِ قطرَةٌ في البحرِ لو قِيسَا
فَمُصحَفُ البَضعَةِ الزَّهراءِ فاطِمَةٍ=و الجَفرُ لا حازَهُ موسى و لا عيسى
لَوِ احتذى القَمَرَينِ افتَرَّ ثَغرُهُما=رِضىً و عَدَّاهُ إقبالاً و نامُوسَا
أيأنَفَانِ إذا دِيسَا بأَخمَصِ مَن=لَولاهُ ما لَبِسا لِلحُسنِ مَلبوسَا
وَ فِي وِلايَتِهِ لِلعَهدِ مِن قبلِ=المأمونِ ما يَذهِلُ النَّاسَ الأكائيسَا
إذ قالَ أنتَ رئيسُ النَّاسِ قاطِبَةً=و لَن يكُونَ رَئيسُ النَّاسُ مَرؤُوسَا
فَقُم مَقامي فَلَم يقبَلْ فَعَاتَبتَهُ=سِراً فَقَالَ دَعِ اليومَ الوَسَاويسَا
أردتَ إظهارَ أنَّا لَم نكُفَّ تُقىً=بل حيثُ مِنَ الدُّنيا مغاليسَا
فَزِيدَ غيظاً و بُغضاً ثُمَّ خَاطَبَهُ=في العَهدِ و ازدادَ تقطِيباً و تعبيسَا
فَقَالَ سَمعاً حَذَارِ البَطشِ مِنهُ بِهِ=و خَطَّ عهداً عَنِ التَّغييرِ مَحروسَا
فَلَوَّمَتهُ بَنو العباسِ قالَ لهُم=ولَّيتهُ العهدَ تدليساً و تلبيسَا
قد أصبحَ الآنَ كالمأسورِ تحتَ يَدَيْ=لا أختشي مِنهُ مكروهاً و لا بُوْسَا
و لَو ثنيتُ عِنانَ الأمرِ عنهُ لَمَا=آمَنَتْ مِنهُ رِجالاً في الوغى شُوسَا
لكِنمَا الآنَ قصدي خفضُ رِفعَتِهِ=حتى يصيرَ خَمِيدَ الِّكرِ مَطموسَا
فَقَالَ مِنهُم عنيدٌ ناصِبٌ حَنِقٌ=مُنافِقٌ لم يزَل في الغَيِّ مَغموسَا
إعقِد لنا مجلِساً أخلَعْ عليهِ مِنَ=الذُّلِّ المُهينِ بتقريعي ملابيسَا
فقالَ يا نَجلَ موسى قَد عَدَوتَ بِما=خُوِّلْتَ طَورَكَ حُمقاً مِنكَ مأنُوسَا
إن أنزَلَ اللهُ غيثاً قُلتَ مكرُمَةً=لي تفتُنُ النَّاسَ تمويهاً و تَعميسَا
و كانَ قبلُ قَدِ استسقى لهُم فسُقوا=مِن بعدِ جَدبٍ لَقُوا مِن طُولِهِ بُوسا
و قالَ وَيحَكَ هل أظهرتَ مُعجِزَةً=كَمِثلِ مُعجِزِ إبراهيمَ أو موسَى
فَعِندَ ذلِكَ نادَى صُورتي أسَدٍ=خُذِ الرَّجيمِ الذي لا زالَ مَتعُوسَا
فَغَادَرَاهُ صريعَ الموتِ مُحتَضِراً=و استأصَلاهُ أكِيلَ الجِسمِ مَفروسَا
و استأذننا بعدُ في المأمونِ فارتَعَدَتْ=فَرَايصُ الرّجسِ حتى خرَّ منكوسَا
وَ بَعدَ طُولِ عِلاجَاتٍ أفَاقَ وَ لَمْ=يُقلِعْ و ما زالَ في العُدوانِ مَركُوسَا
فَكَم لإفحامِ مولانا دَعَا نَفَراً=مِنَ اليَهُودِ وَ زِنديقاً و قِسِّيسَا
فَيَقطَعِ الكُلَّ بُرهاناً و هَل غَلَبَتْ=حِزبَ المُهَيمِنِ أحزابٌ لإبليسَا
و اغتالهُ بعدَ إذ أهدى لهُ عِنَباً=و السُّمُّ في ضَمنِهِ قد كانَ مدسوسَا
و كَم لآلِ رسولِ اللهِ مِن قَمَرٍ=قد غابَ مُنخَسِفاً في الأرضِ مَرموسَا
جعلتُ دَمعيَ وَقفاً جارياً لَهُمُ=لا حَبْسَ فيهِ و كَانَ الوَقفُ تَحبيسَا
عَلَيهِمُ صَلَوَاتٌ مِنْ إلهِهِمُ=مَا حَنَّتِ النِّيبُ أو حَادٍ قَفَا عِبسَا