هيهات تغيب في التّراب
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أيَرومُ مَن عَلُقَ الغرامُ بقلبهِ=إخفاءَ لاعِجِ وجدِهِ عن صَحبِهِ
أثرُ الكآبةِ ظاهرٌ في وجهِهِ=في دمعِهِ أو لونِهِ أو كربِهِ
أولا تَرى الشيعيَّ طولَ حياتِهِ=مُتوجِّعاً ممَّا ألبَّ بلُبِّهِ
قُبضَ النَّبيُّ فكانَ أولُ فادِحٍ=ألقاهُ مَحتُومُ القضاءِ بقلبِهِ
و تَتَابعتْ مِن بعدِ ذاكَ خُطُوبُهُ=بِوُلاتِهِ كلٌ أُتيحَ بخطبِهِ
غُلِبَ الوصيُّ على الخلافة حيثُ لا=رِدءٌ هُنالكَ يُستانُ بِحَربِهِ
و ابتُزَّ ميراثُ البتولِ و أسقَطَت=بالضَّربِ حَملاً ما لَهُ من مُشبِهِ
ما عُذرُ أعداءَ الوصيِّ فإنَّهُمْ=أخَذوا بِمِنطِقَةِ الضلالِ و قُطبِهِ
تَعِسَت قُطامُ الخارجيَّةُ و الذي=أغوَتهُ إذ أخذت مَجَامِعَ قَلبِهِ
أعني ابنَ مُلجِمَاً المُراديّ الذي=فَصَمَتْ عُرى الإسلامِ ضربةُ عَضبِهِ
تبَّاً لَهُ إذ عُلِّقت آمالُه=مِنهَا على قَتلِ الوصيِّ و ثَلبِهِ
إذ ظَلَّ في شهرِ الصيامِ مُحاوِلاً=ما أمَّلَت مِنهُ وَمَا أمَرَت بِهِ
في الجامِعِ الكُوفيِّ يَقلِبُ فِكرَهُ=مِثلَ الهواءِ لدى اختلافِ مَهَبِّهِ
يَسطو فَيَمنَعُهُ مَخَافَةُ غبِّهِ=فَيَني فيشحذُهُ صلابَةُ صُلبِهِ
قَد باتَ لَيلَةَ تِسعَ عشرَةَ ساهِراً=يَخشى مُفاجَاةَ الصباحِ و قُربِهِ
فَسَعَى وَقَد عَلِمَ الإمامَ مُصلياً=لِلفَرضِ بَعدَ فَرَاغِهِ مِن نَدبِهِ
فَعَلاهُ بينَ السَّجدَتَينِ بِضَربَةٍ=كَسَرَت عَمودَ الدِّينِ حالَةَ نَصبِهِ
فغدا يفيضُ دَمُ القّذالِ مُزمَّلاً=في حُلَّةٍ حمراءَ مِن مُنصَبِّهِ
فَتَزَلزَلَ الفَلَكُ المُحيطُ لِقتلِهِ=و الجَوُّ أظلَمَ شرقُهُ مَعَ غَربِهِ
و الروحُ جَبرَائيلُ نادَى مُعلِنَاً=في العَالَمِ الأعلى وَعَجَّ بِنَدبِهِ
قُتِلَ ابنُ عمِّ المُصطفى وَقَرينِهِ=في نُبلِهِ عِندِ الإلهِ و قُربِهِ
يَعزُزْ على المُختار قَتلُ حَبيبِهِ=و أجَلَّ أُسرَتِهِ و أفضَلِ صَحبِهِ
يَعزُزْ على المخُتار قَتلُ وزيرِهِ=والي سَريَتِهِ و فارِسِ حَربِهِ
إنِّي أُجِلُّكَ يا شَقيقَ المُصطفى=عَنْ شَقِّ رأسِكَ بالحُسامِ وَضَربِهِ
إنِّي أُجِلُّكَ ساقيَ الأبرارِ عَنْ=سَرَيَانِ سمِّكَ في العُروقِ وَلسبِهِ
إنِّي أُجِلُّكَ حَامِلَ الأسرار عَنْ=تَضريجِ شَيبِكَ بالدِّماء وَخَضبِهِ
إنِّي أُجِلُّكَ قَاتِلَ الكُفَّارِ أنْ=يَغتالك الرِّجسُ الكَفورُ بِرَبِّهِ
إنِّي أُجِلُّكَ ظَاهِرَ الآثارِ عَنْ=تغييبِ شَخصِكَ في التُّرابِ و حَجبِهِ
جَلَّ الرَّدى بالصَّقرِ فَليَغفُ القَطَا=وَلْيأمَنَنْ مِنْ بعدِ غايَةِ رَعبِهِ
قُلْ لِلجيَادِ السّابِقاتِ تَعَثَّري=تَعثِيرُ أفرَاسِ الوَصيّ و نُجْبِهِ
وَلِجُملَةِ البِيضِ اقتَدِى في شَجوِهِ=أسَفاً عَلَيهِ بِذِي الفَقارِ وَنَدبِهِ
وَلِمِنبَر المُختارِ و الخُطَبِ الَّتي=تُتلى عَلَيهِ اشجُوا لِفادِحِ خَطبِهِ
أفْدِيْه إذْ ضَعُفَتْ جَوَارحُ بَطشِهِ=مِنْ نَزفِهِ لِدَمِ العَبيطِ وَصَبِّهِ
أفْدِيْه إذْ تَسري السُّمُومُ بِجِسمِهِ=مِنْ مَفرِقَيهِ إلى مَهَابِطِ كَعبِهِ
أفْدِيْه مُلقىً في السِّياقِ يُكابِدُ=الآلامَ ما ظَفَرَ الطَّبيبُ بِطِبِّهِ
أفْدِيْه إذْ يُمليْ على الحَسَن ابنِهِ=تَفسيرَ ما أوحَى الإلهُ بِكُتْبِهِ
و يقُولُ لِلنَّاسِ اسألُوني قَبلَ أنْ=يوماً أُوارَى في الغَريِّ و تُربِهِ
يا تُربَةَ النَّجَفِ المُعَلَّى رُتبَةً=مِنْ دونِها الفَلَكُ المُديرُ لِشُهبِهِ
قُدِّسْتِ قَدْ أُغنِيتِ عَنْ صَوبِ الحَيَا=بالبَحرِ فَلتُسْتَعْذَبِينَ لِعَذبِهِ
يا قَاتِلَ الكَرارِ في مِحرابِهِ=هَلاَّ بَرَزْتَ إلَيهِ سَاعَةَ حَربِهِ
فَتَذُوقَ ما ذاقَت فَوارِسُ خَيبَرٍ=وَنَظيرُهَا في طَعنِهِ أو ضَربِهِ
كَمْ مارِقٍ قد شَكَّ مَجمَعَ ظَعنِهِ=وَمنَافِقٍ قد قَطَّ مجرَى شِربِهِ
لكِنْ ظَفَرتَ بِهِ يُصَلِّيْ خَاشِعاً=مُستَغرِقاً في لُجِّ خَشيَة رَبِّهِ
في غَيبَةٍ عن عالَم النَّاسُوتِ لا=يعني بِقَالَبِ قَلبِهِ و بقَلبِهِ
في حَضرَةٍ مِنْ سَانِحِ اللاَّهُوتْ قَدْ=فُتِحَتْ لَهُ مِنهُ مَفَالِقُ حُجبِهِ
يا ضَربَةً مِن مارِقٍ تَرَكَتهُ في=قَعرِ الجَحِيمِ مُخَلَّداً في جُبِّهِ
لَعنٌ مِن اللهِ العَظيمِ يَخُصُّهُ=و يَعِمُّ أعدَاءَ الوَصِيِّ وَحِزبِهِ
خُذهَا أميرَ المؤمِنِينَ هَدِيَّةً=مِن مُغرَمٍ بِكَ مُخلِصٍ في حُبِّهِ
أرجُوكَ لِلذَّنْبِ العَظِيْم فإنَّنِي=مِمَّنْ تَغَلغَلَ في مَضَائِقِ ذَنبِهِ
وَلَقَد نَجَا حَسَنٌ لِئَنَّ رَجَاءَهُ=حَسَنٌ و إن قَبُحَت رَذَائِلُ كَسبِهِ
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ=ما انهَلَّ غيثٌ مِنْ سَوَاكِبِ سُحبِهِ