إنّ التنعّم في الدّنيا لمرذول
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
إنَّ التنعُّمَ في الدُّنيا لَمَرذولُ=بُرهانُ ذّلِكَ مَعقولٌ و مَنقولُ
وَرَايقُ القِشرِ مِنها لا يَغِرُّ سِوى=مَن عَقلُهُ عن بُلوغ اللُّبِ مَعقولُ
تَلينُ و السُّمُّ قَتَّالٌ لِلامِسِها=كما تَلينُ بِكفِّ اللامِسِ الغُولُ
رَذيلةٌ شَغَفَت حُباً أراذِلَهَا=و إنَّما يَعشَقُ المَرذولُ مَرذولُ
ما قَدْرُ عَيشِ أَسَارَى بُوسِهَا وَعَلَى=رُؤوسِهِم صارِمٌ لِلمَوتِ مَسلولُ
من أجلِ ذلكَ صانَ اللهُ صَفوَتَهُ=عن صَفوِها وَهوَ لِلأرذالِ مَبذولُ
أضحى الخليلُ لُقَىً في مِنجنيقِ لَظَىً=و فوقَ نَمرودَ للسُّلطان إكليلُ
و أمَّ مَديَنَ موسى خائِفاً وَجلاً=و أمرُ مِصرُ إلى فِرعونَ مَوكُولُ
و المُصطفى تارَةً بالشِّعْبِ مُحتَصِرٌ=و تارَةً بقَرارِ الغارِ مَخذولُ
و المُرتضى طَلَّقَ الدٌّنيا لِخِسَّتِها=و نَالَهُ من دَوَاهيها أهاويلُ
و عَهدُ بَيعَتِهِ من بعدِ قُوَّتِهِ=بالنَّصِّ مُنتَقَضٌ بالرَّأي مَتبُولُ
أهَكَذا يتبعُ المَتبوعُ تابِعَهُ=و يَقدِمُ الأكمَلَ المِفضالَ مَفضولُ
يا لَلعَجيبَةِ و الأيَّامُ مَعجِبَةٌ=و الطَّبعُ مِنها على العُدوانِ مَجبولُ
قَتلُ الوَصيِّ أميرِ المُؤمنينَ إلى=قِطامَ في أُخرَياتِ المَهرِ مَقبُولُ
لا خَوْدَ أغلى صِداقاً من قِطامَ ولا=أجَلّ من حَيدَرٍ في النَّاسِ مَقتولُ
أشلَت على حَيدَرٍ كَلبَ الشُّراةِ فَلَم=يَكُن لَهُ عن سبيلِ الغَيِّ تَحويلُ
سَاقَتهُ عِندَ مَسَاقِ المَهرِ شَقوَتُهُ=إلى الجَحيمِ و قادَتهُ الأضاليلُ
قُدَّامُهُ و الدُّجى قد قَدَّ مِن قُبُلٍ=سِربَالَهُ وَغِرارُ الفَجرِ مَسلُولُ
فاستَلَّ مُتَّخَمَاً بالسُّمِّ مُلتَمِعَاً=كَأنَّهُ قَبَسٌ باللَّيلِ مَشغولُ
فَقَدّ والهفتا بالسَّيفِ هامَتَهُ=فَخرَّ و هوَ بِشُكرِ اللهِ مَشغولُ
إلى جَبينِ أميرِ المؤمنينَ مَضَى=السَّيفُ السَّنينُ و قاني النّجعْ مَطلُولُ
فَأَيُّ طَود اصطِبَارٍ غَيرُ مُنصَدِعٍ=و أيُّ قَلبٍ لَهُ السِّلوَانُ مَقبُولُ
أفنى التَّجّلُّدَ أنَّ الخارِجِيَّ لَهُ=سَيفٌ بِهِ حَدُّ سَيفِ اللهِ مَفلُولُ
لَقَد أتَاحَت يَدَاهُ مِن مَضَارِبِهِ=خُطبَاً بِهِ عَرشُ دِينِ اللهِ مَثلولُ
يا ثابِتِينَ على عَرشِ الوَلاءِ لَهُ=ذَرُوا السُّلُوَّ وَعَن سَمتِ العَرَا زُولُوا
صُبُّوا الدُّموع و شِبُّوا في الضُّلوعِ لظىً=و اقُلوا الهُجُوعَ وَفِي دَارِ الجَوَى جُولُوا
و استَمطِرُوا أديمَ الأجفانِ و اغتَنِمُوا=أجْرَ المُصاب و في وَقتِ الرِّثا قُولُوا
واحَيدَرَاهُ أمينُ اللهِ حافِظُ ما=أوحاهُ إن يَعتَري مَعنَاهُ تَبديلُ
يَبكي الرَّسولُ عَلَيهِ و البَتولُ و=ابنَاهَا الفُحُولُ وَمِنَّا الدَّمعُ مَغلولُ
تَخِرُّ قُبَّةُ دِينِ اللهِ خاوِيَةً=و القلبُ مُنهَمِكٌ في اللَّهوِ مَشغُولُ
مَن يحبِسِ الدَّمعَ في أرزَاءِ سَيِّدِهِ=فّذّاكَ من رَبقَةَ الإسلامِ مَحلُولُ
إن كانَ قَلبُ قُطَامٍ بَلَّ غِلَّتَهُ=مُهَنَّدٌ مِنْ دَمِ الكَرَّارِ مَبلُولُ
فَقَلبُ فاطِمَةِ الزَّهرَاءِ مُحتَرِقٌ=مِنْ أجلِهِ وَغَزِيرُ الدَّمع مَطلُولُ
و زَينَبُ ابنَتُهَا تَنهلُّ عَبرَتُهَا=من فَوقِ وَجنَتِهَا و الشَّعرُ مَسدُولُ
تَقولُ يا أبَتَا هذا الفِراقُ أَتَى=مَتَى اللِّقَاءُ مَتَى هَلْ ذاكَ مَأمولُ
أنا الَّتي وَصلُها سُقمٌ وَعَائِدُهَا=هَمٌّ و لَكِنَّهُ بالغَمِّ مَوصُولُ
و ما لِجُفنَيَّ تطبيقٌ و دَمعُهُما=مُسَلسَلٌ و غِرارُ النَّومِ مَسلُولُ
قَلبي لَهُ قَلَقٌ طَرفي لَهُ أرَقٌ=و الدَّمعُ مُنطَلِقٌ و القَلبُ مَكسُولُ
و الصَّبرُ و الحُزنُ مَطويٌّ و مُنتَشِرٌ=وَطَيُّ حُزني لَهُ بالنَّشرِ تأجيلُ
يا والِدِي أصبَحَ القُرآنُ مُحتَجِبَاً=تَفسيرُهُ ما لَهُ بالحَقِّ تأويلُ
مَن ذا يُرَجَّى لِحَلِّ المُشكِلاتِ أبي=و أنتَ بالصَّارِمِ المَصقولِ مَشكولُ
قَد هَدَّ رزؤكَ كُلَّ الكَاينَاتِ سِوى=مُكَفّرٍ مالَهُ في الرُّشدِ تَحصيلُ
هذي الضِّبَا وَالقَنَا كُلٌّ مَشَاكيلٌ=مِنَ الجَوَى مُرهَفَاتٌ أو مَهَازيلُ
قد غَبَّرَ السُّمرُ و البيضُ الحِدادُ فَمَا=لَهَا على زينَةٍ مُذْ غِبتَ تَعويلُ
نَفسي فِداءَ قَتيلِ الخارِجِيِّ لَدَى=فَرضِ الغَدَاةِ لَهُ في الذَّكرِ تَرتيلُ
مُستَغرِقاً في جَلالِ اللهِ خاطِرُهُ=لا وَهُم مُعتَرِضٌ فيهُ وَتَخيِيلُ
لا الحِسُّ بالعَالَمِ السُّفليِّ يَمنَعُ مِنْ=تَجريدِهِ وَهْوَ بالعُلويِّ مَوصُولُ
فَلا ذُهُولُ لَهُ عَنْ شُكرِ خالِقِهِ=إنَّ الذُّهُولَ لِشُغلِ النَّفسِ مَعلولُ
إفاضَةٌ قَبلَ ذَرِّ الذّرٍّ فائِضَةٌ=مِنْ مَبدأ الفَيضِ يا لِلهِ تَخويلُ
هذا هُوَ الفَضلُ فاجرَعْ يا حَسُودُ شَجَىً=فَهَلْ سِواهُ بِهَذاَ الشَّأنِ مَنحولُ
وَكمَ لِمَولايَ في العَليَاءِ مِنْ غُرَرٍ=كأنَّهَا فَوقَ هَامِ المَجدِ إكليلُ
سَلْ عَنْ حَضيضِ عُلاءُ الأوجَ مِنْ رَجُلٍ=فأوجُهُ لِذَوَاتِ الأوجِ مَجهُولُ
بَينَاهُ يَرقَبُ إحضَارَ الطُّهورِ إذَا=بِالبَيت سَطلٌ وَفَوقُ السَّطلِ مِنديلُ
المَاءُ مِنْ كَوثَرٍ و الباقياتِ مَعَاً=كِلاهُمَا مِنْ جِنَانِ الخُلدِ مَنقولُ
أتَى بِهَا الرُّوحُ جِبريلٌ لِخِدمَتِهِ=وَحَبَّذا خَادِمُ الأطهارِ جِبرِيلُ
ألَا يَجِلُّ الَّذِيْ ذا مِنْ كَرَامَتِهِ=عَنْ أنْ يُفَجِّرَ مِنهُ الرَّأسَ مَصقُولُ
جِبرِيلُ مَنْ جِئتَهُ بالسَّطلِ مُغتَسِلاً=مُلقىً خَضيباً بِفَيضِ النَّجعِ مَغسولُ
يا شِيعَةَ المُرتَضَى لا يُرتَضى لَكُمُ=صَبرٌ و سَيِّدُكُم بالأمسِ مَقتولُ
مِيلُوا لنزحِ حِيَاضِ الدَّمعِ عَنْ كَمِلٍ=كَيلا يُقَالَ لَكُمْ عَنْ حَوضِهِ مِيلُوا
تَسَابَقُونَ سِرَاعَاً نَحْوَ كَوثَرِهِ=وَفِيهِ أَدْمُعُكُمْ كَسلَى مَثَاقِيلُ
هَلْ كَانَ عَنْ حَيدَرٍ لِلنَّاسِ مِنْ عِوَضٍ=هَيهَاتِ ما مِثلُهُ في النَّاسِ مَأمُولُ
يا وَاحِدَ النَّاسِ مَولاهُمْ وَسَاقِيَهُمْ=مِنَ الرَّحيقِ الفَسيحِ العَرضِ وَ الطُّولُ
شَرِبتُ فِيكَ سُلافَ الحُبِّ مُشرِقَةً=نُوراً فَقَلبيَ في الأحشاءِ قِنديلُ
دَفَعتُ بالنُّورِ نَارَ الحَشرِ فاندَفَعَتْ=وَالنَّارُ لَيسَ لَهَا في النُّورِ مَحصُولُ
هَلْ حاذِرٌ حَسَنٌ مِنْ سُوء زَلَّتِهِ=و أنتَ بَعدَ نَبيِّ اللهِ لي سُولُ
صَلَّى عَلَيْكُمْ هُداةَ الخَلقِ خالِقُكُمْ=ما نَالَهُم مِنكُمْ فَضلٌ و تَكميلُ