نعمتم صباحا
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
نَعِمتُم صَبَاحَاً جيرَةَ العَلَمِ الفَردِ=تَحيَّةَ مُشتاقٍ إلَيكُم على البُعدِ
عَنِ العَينِ غِبتُم لا عَنِ القلبِ خُلَّتِي=و مِن ثَمَّ كانَ الشوقُ مُتَّصِلَ الوَقدِ
فلو غِبتُمُ عن ناظِرِي و ضَمَائِري=سَلَوتُ و لَم أحفَل بوَصلٍ و لا صَدِّ
و لو شاهَدَتكُم مُقلتي مثلُ خاطري=ظفرتُ بَعِزِّ الدَّهرِ في عيشَةٍ رَغَدِ
فهل نظرَةٌ تَشفي الفُؤادَ أحِبَّتي=و إن لَم تَكُن بالفعلِ أكتَفِ بالوَعدِ
و إن لَم تُجُودُوا لي بوَعدٍ فإنَّني=أجُودُ بأسنَى ما يُحيطُ بِهِ وُجديْ
فَقَدتُ لكُم صَبري و بِشري و صِحَّتي=و نَومي و دَمعي المُستَهَلِّ على خَدِّيْ
و إن شِئتُم جُودي بنَفسي أجُد بِهَا=و ذلِكَ مِن أسنَى مَوَاهِبِكُم عِندِيْ
كما جادَ أنصَارُ الحُسَينِ بِكَربلا=بِأنفُسِهِم في طاعَةِ الأحَدِ الفَردِ
عَشيَّةَ يَستَدعيهِ خالِقُهُ إلى=جِهَادِ أعادِيهِ الغُواةِ عَنِ الرُّشدِ
ليَشرَبَ مِن كأسِ الشَّهادَةِ شَربَةً=يَلَذُّ لهُ في ذَوقِهَا نَشوَةُ الوَرْدِ
و كُوشِفَ أنصارُ الحُسَينِ بِسِرِّهَا=فطاروا لها فَوقَ المُضَمَّرَةِ الجُرْدِ
سَمَاحَاً بأرواحٍ سُماةٍ إلى العُلى=رُوَاءً منَ التَّقوى ظِمَاءً إلى الوِردِ
مُجَلِّينَ في الجُلَّى مُصلِّينَ في الدُّجى=كَثيرينَ في الهَيجَا قَليلينَ في العَدِّ
إلى أن قَضَوا نَحباً و أمسَت جُسُومُهُمْ=على الأرضِ و الأرواحِ في جَنَّةِ الخٌلْدِ
و ظَلَّ وَحيدَاً واحِدُ العَصرِ آيساً=مِنَ النَّصرِ فردَاً لا يُؤَمَّلُ فِنْ رِفْدِ
متى يَلتَفِت يَنظُر إلى ما يَسُوؤُهُ=و يُضرِم في أحشائِهِ جَذوَةَ الوَجدِ
يرى أنجُماً من هاشِمٍ قد تَسَاقَطَتْ=بِسُمرِ القنا و البِيْضِ في الهَضبِ والوِهْدِ
و في الخِيَمِ الغرَّاءِ من آلِ أحمَدٍ=ثواكِلُ من أجفانِهَا السُّحبُ تَستَجديْ
ذَوَاتُ شفاءٍ ناشِفاتٍ منَ الظَّمَا=لها لَحَظَاتٌ للفُراتِ منَ البُعْدِ
و من بينها السَّجَّادُ فِلذَةُ كَبدِهَا=عَليلاً يُقاسي شِدَّةَ الضُّرِّ و الجُهدِ
و من حَولِهِ سَبعونَ ألفَ مُقاتِلٍ=بُرَاءٌ منَ التَّقوى غِلاظٌ مِنَ الحِقْدِ
فلو طَرَقَت هذي النَّوائِبِ غَيرَهُ=لَأَحجَمَ حتَّى لا يُعيدُ و لا يُبديْ
و لَكِنَّهُ القُطبُ الَّذي لا يَؤُودُهُ=هُجُومُ الرَّزَايَا عَن مُقاوَمَةِ الضِّدِّ
تَمَلَّكَ تَصريفَ المقاديرَ حَسبَ ما=يُريدُ فعاصيها لَهُ ضارعِ الخَدِّ
فَلَو شاءَ تَدميرَ الَّذينَ تَمَرَّدُوا=عَلَيهِ لما استطاعوا لِذَلِكَ مِن رَدِّ
و لكن رأى أنَّ الشَّهادَةَ مَغنَمٌ=فآثَرَها إذ لا عَنِ المَوتِ مِن بُدِّ
كأنِّي بِهِ في مَظهَرِ القَهرِ بارِزاً=تَذوبُ لِأَدنى بِأسِهِ مُهَجُ الأُسْدِ
يُلاقي حُدُودَ البِيضِ و السُّمرِ باسِمَاً=مُلاقاةِ وَفدٍ مُسرعينَ إلى الرِّفدِ
ضَروباً بِحَدِّ السيفِ حتى تَثَلَّمَت=مضارِبُهُ من شِدَّةِ القَطِّ و القَدِّ
صَبوراً تَوَالَت في مقاديمِ جِسمِهِ=ثَمَانونَ جُرحاً بالظِّبَى و القَنَا المُلدِ
مُغشَّى بِسَيَّاراتِ نَبل نصَالِهَا=ثَوَابِتَ في الأحشاءِ و القَلبِ و الكَبْدِ
و من بَعدِ جُهدٍ خَرَّ و الجِدُّ صاعِدٌ=صَريعاً برَغمِ الجدِّ مُنعَفِرَ الخَدِّ
و جُرِّعَ صابَ القتلِ ذَبحَاً مِنَ القَفَا=على أنَّهُ أشهى إلَيهِ مِنَ الشَّهدِ
أحَبَّ لِقاءَ اللهِ مِن حَيثُ أنَّهُ=مُرادٌ لَهُ فالتَذَّ بالسَّبَبِ المُرديْ
كما سُرَّ من قَبلٍ أبُوهُ بِقَتلِهِ=و كَم والِدٍ بانَت سَجَاياهُ في الوِلدِ
ألَم تَرَ أنَّ الطَّاهِرَاتِ تَخَلَّقَتْ=بِأَخلاقِهِ في شِدَّةِ الكَربِ و الجُهْدِ
بَقينَ خِلافَ السِّبطِ في الطَّفِّ ثُكَّلاً=و لا مُنجِدٍ يَرثي لها مِن أذى الجُندِ
تُجاذِبُها ثَوبَ الوَقَارِ شُجُونَها=و يأبى حِجاجَها أن تَحيدَ عَنِ القَصدِ
شُجُونٌ خَوَافٍ في قُلُوبٍ خَوافِقٍ=و لا صَرخَةٍ تَعلو و لا جَزَعَاً تُبديْ
و لكِنَّها تَسقي الثَّرى بِدُمُوعِها=بلا رَنَّةٍ كالواكِفاتِ بلا رَعْدِ
تَجَلَّدُ مِن صِدقِ الشَّهامَةِ عِندَمَا=تُمَزَّقُ منهُنَّ الجُلُودُ مِنَ الجِلدِ
و يُسلَبُ مِنها كُلُّ غالٍ و إنَّها=لَتَنظُرُهُ مُستَحقِراً هَيِّنَ الفَقدِ
و يُنزَعُ مِنهُنَّ الرِّداءُ فَتَرتَديْ=بأردائِها مَلفوفَةَ الكَفِّ و الزَّندِ
و يُحمَلنَ مِن فَوقِ المَطيِّ بلا وَطَاً=كما تُحملُ الأسرى مِنَ الرُّومِ و الكُرْدِ
و لمَّا بلغنَ الشَّامَ غنَّى يَزيدُ من=شماتَتِهِ في مَجلسِ الخَمر و النَّرْدِ
ظفرتُ بثأرٍ كانَ لي عِندَ هاشِمٍ=و ما هاشِمٌ بالمُدرِكِيْ ثارَهُم عِندِيْ
صَهْ يابنَ هِندِ و ارتَقِب أخذَ ثارِهِم=بسَيفِ الإمام القائِمِ الخَلَفِ المَهديْ (1)
و إنِّي لأرجو أن أفُوزَ بنَصرِهِ=و مِن آلِ ضَيفِ اللهِ طائِفَةٌ جُنديْ
فنَروي صَدَا أسيافَنا و قُلُوبِنا=و نَبصِقُ في وَجهِ ابنِ خَيثَمَةِ الوَغْدِ
إذا حَسَنٌ نالَ المُرادَ مِنَ العِدا=فَلَستُ على دَهرٍ أساءَ بمُستَعْدِ
و أسألُكَ اللَّهُمَّ عَفواً و رَحمَةً=لِمَن يَتَوَالَى بالهُداةِ أُولي الرُّشدِ
خُصوصاً أُصولي و الفُرُوعُ لَهُم و مَن=بَكَى لِمُصابِ الطَّاهِرينَ أُولي المَجْدِ
عَلَيهِم من اللهِ السَّلامِ سَلامُهُ=متى وَجَدَ المُضنَى جَوَى أَلَمَ الوَجْدِ