إستدعى الحسين مليكه
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
هو الحُبُّ لا شَيءٌ ألَذُّ مِنَ الحُبِّ=و لكنَّهُ يُشتارُ مِن مَسلكٍ صَعبِ
فمَن رامَهُ عَفواً يَكُن مِثلَ باسِطٍ=يَدَيهِ لَيَلقى فيهِما أحَدَ الشُّهْبِ
و قد يُستَلَدُّ الحُبُّ حتَّى بلاءهُ=و بَعضُ جُناةِ الشَّهدِ يلتَذُّ باللَّسْبِ
و كَم مُستفيدٍ بالبَلاءِ جلالَةً=كَمِثلِ حَديدِ السَّيفِ بالسَّبكِ و الضَّربِ
و كالصَّفوَةِ السَّامينَ قَدراً على الوَرى=بما اختَصَّهُم رَبُّ السَّماواتِ بالقُربِ
فَقَد مُحِّصُوا بالنَّائباتِ كَرَامَةً=و يا حَبَّذا مَسُّ الأذى في رِضى الرَّبِّ
فَلُوِّحَ إبراهيمُ في النَّار شاكِراً=و كُلِّفَ أن يَختارَ ذَبحَ ابنِهِ النَّدبِ
فأسلَمَ إسماعيلُ لِلذَّبحِ نفسَهُ=فَغَادَرَهُ للذَّبحِ مُلقىً على الجَنبِ
و مُحِّصَ موسى بالعُصاةِ مِنَ العِدَا=و لا سيَّما أهلِ النِّفاقِ مِنَ الصَّحبِ
و أيُّوبُ بالبَلوى و يَعقوبُ بالضَّنى=و يُونُسُ بالظَّلما و يُوسُفُ بالجُبِّ
و مُحِّصَ خَتمُ الأنبياءِ و آلُهُ=بأضعافِ ما ذاقَ النَّبيُّونِ في الحُبِّ
فَخُوصِمَ مَظلوماً و كُذِّبَ صادِقاً=و أُلجئَ مَخذولاً إلى الغارِ و الشِّعْبِ
و في حَربِ صَخرٍ شُجَّ في حَرِّ وَجهِهِ=بِفِهرٍ ألا شاهَت وُجُوهُ بَني حَربِ (1)
و ذاقَ عليٌّ مِثلُ ما ذاقَ أحمَدٌ=لِأَنَهُما قُطبَا الوِلايَةِ و القُرْبِ
و مُحِّصَت الزَّهراءُ في الجِسمِ بالأذى=و في القَولِ بالتَّكذيبِ و المالِ بالغَصبِ
و في وِلدِها بالقَتلِ بالسُّمِّ و الظِّبى=و سُمْر القنا و السَّبِّ و السَّبيِ و السَّلبِ
و أرزاؤها في كربلاءَ سَمَت على=جَميعِ الرَّزايا في البلاءِ و في الكَربِ
عَشيَّةَ يَستدعي الحُسَينَ مَليكُهُ=ليُسكنَهُ في ظِلِّ جَنَّاتِهِ الغُلبِ
و يَسقيهِ من كأسِ الشَّهادةِ شَربَةً=لها طَرُبَت غُرُّ الملائِكِ في الحُجبِ
و كُوشِفَ أنصارُ الحُسينِ بسِرِّها=فطاروا لها فوقَ المُضَمَّرَةِ النُّجْبِ
سماحاً بأرواحٍ سُماةٍ إلى العُلى=رُوَاء مِنَ التَّقوى ظِماءٍ مِنَ الشُّربِ
مُجَلِّينَ في الجُلَّى مُصلِّينَ في الدُّجى=كَثيرينَ في الهَيجَا قليلينَ في الحَسبِ
إلى أن قَضَوا يُبْسَ اللَّهاةِ مِنَ الظَّما=و ما بَلَّها غَيرُ الدِّما قَطُّ مِن رَطبِ
لقد ظَفَروا في صِدقِهِم وَعْدَ رَبِّهِم=بمَقعَدِ صِدقٍ عِندَ أحبابِهِ رَحْبِ
فَلَم يَبقَ إلَّا واحِدُ العصرِ واحِداً=كِذبُّ العِدا عَن آلِهِ أبلغَ الذَّبِّ
كأنِّي به في مَظهَر القهرِ بارِزاً=كمِثلِ شِهابٍ من على الجَوِّ مُنصَبِّ
فما انقَضَّ نحوَ الجَيشِ إلَّا أطارَهُ=مِنَ الرُّعبِ خَفَّاقَ الجناحَينِ و القلبِ
فصاراهُمُ في الضَّربِ و الطَّعنِ خِلسَةً=على عَجَلٍ مِمَّا عراهُم مِنَ الرُّعبِ
و رَشقُ سِهامٍ سَدَّتِ الأُفقَ سُدِّدَت=إلَيهِ كما سَدَّ الفضا صَيِّبُ السُّحبِ
يَخوضُ عُبابَ المَوتَ شَوقاً إلى اللِّقا=و يَسبَحُ ما بَينَ العواسِلِ و القُضبِ
يُفَرِّقُ ما بَينَ المناكِبِ و الطَّلَى=و يَجمَعُ ما بَينَ التَّرائِبِ و التُّربِ
إذا شَكَّ مِنهُم مَوضِعَ الشَّكِّ أيقَنُوا=بِصِحَّةِ عِلمِ اللُّدنِ في القلبِ و الصُّلبِ
فَبَيْنَاهُ إذ وافاهُ سَهمٌ بِقلبِهِ=فَحَنَّ على وَجهِ الثَّرى ساكِنَ القَلبِ
رِضاً بقضاءِ اللهِ سَلماً لِحُكمِهِ=شَكوراً على تَبليغِهِ غايَةَ القُربِ
فيا لَيتَني في كَرْبَلَاءَ شَهِدتُهُ=و ساعَدْتُهُ حتى قَضَيتُ بها نَحبيْ
و يا لهفَ نَفسي لِلحُسَينِ و ما جرى=عليهِ غَدَاةَ الطَّفِّ مِن فادِحِ الخَطبِ
أَمِثلُ حُسَينٍ تُستباحُ دِماؤُهُ=و يُذبَحُ ذبحَ الكبشِ بالصَّارِمِ العَضبِ
و يَركَبُ شِمرٌ صدرَهُ و هو عَيبَةٌ=لما في قُلُوبِ الأنبياءِ و في الكُتبِ
و يَنحَرُ شِمرٌ نَحرَهُ و لَطَالَما=تَرَشَّفَهُ المُختارُ مِن شِدَّةِ الحُبِّ
و يُرفعُ مَنصوباً على الرُّمحِ رأسُهُ=و خَفضُ العُلى في ذلِكَ الخفضِ و النَّصبِ
أَجِسمَاً تُرَبِّيهِ البَتولُ تَدوسُهُ=الخُيُولُ كَسيرَ العَظمِ بالحافِرِ الصَّلبِ
سُلِبْتُ قراراً حيثُ خِلتُ حَريمَهُ=تَرومُ فِراراً خِيفَةَ السَّبيِ و السَّلبِ
و عِلْتُ اصطِباراً لليتامى و ذُلِّها=و ما الصَّبرُ إلَّا مُستحيلٌ مِنَ الصَّبِّ
بنفسي الأيامى الفاطِمِيَّاتُ حُسَّراً=على الضُّلَّعِ الأنقاضِ و البُزّلِ الجُرْبِ
و سَيِّدُنا السَّجَّادُ يُحمَلُ صاغِراً=على الأدهَمِ المَجدولِ و الأحدَبِ الصَّلبِ
يُلاحِظُهُم شَزَرَاً يَزيدٌ شَمَاتَةً=تَغَشَّاهُ لَعنٌ لا يَبيدُ مَدى الحقبِ
أَمَولَايَ يابنَ العَسكريِّ إغاثَةً=فقد جَلَّ تَقصيرُ الزَّمانِ عَنِ العَتبِ
لقد بَعُدَت أهلُوهُ عن مَركَزِ التُّقى=بأضعافِ ما بَينَ المُعَدَّلِ و القُطبِ
و تاهَت بِتَيْهَاءِ الضَّلالِ أراذِلٌ=بَنَت أمرَهُم فينا على الخَفضِ و النَّصبِ
فقُم و انتَقِم مِن غيرِ أمرٍ مِنَ العِدَا=و سَكِّن قُلُوبَ الأولياءِ مِنَ الرُّعبِ
فَمَنْ لي بِمَن يَسعى إلَيَّ مُبَشِّراً=بأن طَلَعَت شَمسُ النَّهارِ مِنَ الغَربِ
فألقاكَ تَقفوني إلَيكَ أمَاجِدٌ=تَميتُّ بِضَيفِ اللهِ في عَسكَرٍ لَجْبِ
تَحِفُّ بِكَ الأملاكُ في أَيِّ عُدَّةٍ=و تَهوي لَكَ الأبصارُ مِن ظُلَلِ السُّحْبِ
فَتَصلِبُ في الصُّلبِ الأصَمِّ أَئِمَّةٌ=حَنَى صُلبَهُم طُولُ العِبادَةِ لِلصُّلبِ
هُنالِكَ يَشفي قَلبَهُ كُلُّ مُؤمِنٍ=و يَبقى حَليفَ الكُفرِ مُحتَرِقَ القَلبِ
وَلائي لَكُم يا سادَتي و بَرَاءَتي=مِن اعدائِكُم دِينٌ أَدِينُ بِهِ رَبِّيْ
إذا حَسَنٌ وافى بِهِ في معادِهِ=فَحَسبي بِهِ في دَفعِ ما أَتَّقِي حَسبيْ
فَمِنُّوا بإدخاليْ غداً في جِوارِكُم=و أَصلي و فَرعي و المُشارِكُ في الحُبِّ
عَلَيكُم سَلَامُ اللهِ ما افتَاقَ مُدنِفٌ=إلى الطّبِّ أو تاقَ المُحِبُّ إلى الحُبِّ