ما شرف الإنسان إلّا بدينه
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أفَخراً و بابُ الفَخرِ دُونَكَ مُغلَقُ=و كِبراً و طَيرُ الكِبرِ عَنكَ مُحَلِّقُ
و مَن بِدؤُهُ مِن نُطفَةٍ و مَآلُهُ=إلى جيفَةٍ أنَّى بِهِ الفَخرُ يَلحَقُ
و ما شَرَفُ الإنسانِ إلَّا بدِيْنِهِ=و أخلاقِهِ اللَّاتي بِها يَتَخَلَّقُ
و أن يَتَلَقَّى الرِّضا مُقتَضَى القَضَا=و لَو أنَّهُ بالمُرهَفَاتِ يُمَزَّقُ
كما صَنَعَت أهلُ الوَفَاءِ بِكَربَلا=و خَيلُ الرَّدى فيها تَخِبُّ و تُعنِقُ
غَدَاةَ أُنُوفُ البِيْضِ تَرعَفُ في الوَغَى=دَمَاً و صُدُورُ السُّمَّرِ النُّجعِ تُشرِقُ
إذا استَبَقُوا في الحَربِ لَم يَفرُقُوا و لَم=يُبالُوا سَقَوا كاسَ المَنِيَّةِ أو سُقُوْا
يَروقُ لَهُم وِردُ المَنيَّةِ فالرَّدى=سواءٌ لَدَيهِم و السُّلافُ المُرَوِّقُ
رأوا في جِنانِ الخُلدِ ألطَافَ رَبِّهِم=فَتَاقوا إلى رِضوانِهِ و تَشَوَّقُوا
أماجِدُ في العَليَاءِ جَدُّوا فَوُفِّقُوا=و مَن جَدَّ في كَسبِ المَعَالي يُوَفَّقُ
و حَسبُهُمُ نَصرُ الحُسَينِ عُلَىً فَكَم=لَهُم فيهِ فَخرٌ صادِقُ الفَخرِ مُشرِقُ
فَإن سُوهِمُوا حازوا المُعَلَّى مِنَ العُلى=و إن سُوبِقُوا في حَلبَةِ الفَضلِ يَسبَقوا
فيا لَيتَني أصبَحتُ فيهِم مُجاهِداً=أَجُودُ كما جادُوا و ألقَى الَّذي لَقُوا
و لَهفي و قَد أضحى الحُسَينُ عَقيبَهُم=غَريباً وَحيداً حَولَهُ الجَيشُ مُحدِقُ
أُمَثِّلُهُ يَبغي الجِهادَ و قَد غَدَت=أكُفَّ النِّسا في ذَيلِهِ تَتَعَلَّقُ
إلى أينَ يا كَهفَ اليَتَامَى و عِزَّهُم=و حافِظُهُم مِمَّا بِهِ الدَّهرُ يَطرقُ
أتَترُكَنَا في عَرصَةِ الطَّفِّ ما لَنَا=كَفيلٌ و أنتَ الكافِلُ المُتَشَفِّقُ
فَرَقَّ لها مُستَعبِراً مِن مَقَالِهَا=و فاضَ بِجَفنَيهِ الجِمانُ المُرَقرَقُ
و قالَ لَهُنَّ اصبِرنَ يا خِيرَةَ النِّسا=فَإِنَّ خِيارَ النَّاسِ بالصَّبرِ أَخلَقُ
فَقَتلي بلا جُرمٍ و ذَبحي مِنَ القَفَا=و تَضريجُ شَيبي بالدِّماءِ مُحَقَّقُ
و كافِلُكُنَّ اللهُ و هوَ خَليفَتي=عَلَيكُنَّ نِعمَ الكافِلُ المُتَرَفِّقُ
و فارَقَهَا بالرَّغمِ مِنها و رَغمِهِ=و كُلٌّ لِكُلٍّ بالكَآبَةِ تَأَلَقُ
و جَرَّدَ سَيفاً كالشهاب تَوَقُّدا=بُرُوقُ الرَّدى في غَربِهِ تَتَأَلَّقُ
و شَدَّ على القَومِ الطُّغاةِ مُجاهِداً=و ظَلَّ لِهاماتِ الكُماة يُفَلِّقُ
و ما صالَ بالأبطالِ إلَّا تَطَايَروا=حِذارَ الرَّدى مِن بأسِهِ و تَفَرَّقوا
و لَمَّا تَغَشَّتهُ النِّبالُ صَوائِباً=و صادَفَ مِنهُ النَّحرَ سَهمٌ مُفَرّقُ
هَوَى وَهوَ لِلرَّحمانِ شاكٍ و شاكِرٌ=و مُستَرجِعٌ مِن كَربِهِ و مُحَولِقُ
و أقبَلَ شِمرُ الرِّجسُ و احتَزَّ رأسَهُ=و عَلَّاهُ بالعَسَّالِ كالبَدرِ يُشرِقُ
و أظلَمَتِ الآفاقُ لَولا شُعاعُهُ=يُميطُ عَنِ الجَوِّ الظَّلامَ و يَمحَقُ
و مادَت لَهُ الأفلاكُ حُزناً و أمطَرَت=دِماءً و قَد كادَت على الأرضِ تَطبِقُ
و لَم يَنتَهِ الأرجاسُ عَن سُوءِ صُنعِهِم=عُتُوَّاً و لَم يَخشَوا عَذَاباً فَيَتَّقُوا
فَكَم هَتَكُوا مِن حُرمَةٍ لِمُحَمَّدٍ=و كَم خَرَقُوا مِن ذِمَّةٍ لَيسَ تُخرَقُ
فَكَم مِن وَجيهٍ مِن بَنيهِ يَعِلُّ مِن=حُشاشَتِهِ نَصلُ السِّنانِ المُذَلَّقُ
و أبيَضُ سامي المَجدِ يَسمو بِرأسِهِ=رَفيعٌ مِنَ الصُّمِّ الأنابيبِ أزرَقُ
تَرَائِبُهُ غَبراءُ مِن ثائِرِ الثَّرى=و غُرَّتُهُ غَرَّاءُ بالنُّورِ تُشرِقُ
و كَم بَضعَةٍ مِنهُ كأنَّ خِباءَهَا=لِغُرَّتِهِ فَوقِ السِّماكِ مُعَلَّقُ
و رَبَّةِ صَونٍ قَد تَرَبَّت بِحِجرِهِ=كِلا أبَوَيهَا في الفَوَاطِمِ مُعرِقُ
تُهَتَّكُ أستاراً و تُسلَبُ أدرعاً=و تُجلَدُ جَلداً لِلجُلُودِ يُمزِّقُ
و تُلطَمُ خَدَّاً و هوَ للصَّونِ مُطرِقٌ=و تُشتَمُ جَدَّاً و هوَ بالفَضلِ مُغدِقُ
مُرَوَّعَةُ ثَكلى كأَنَّ قُلُوبَهَا=خَوَافي القَطَا عَطشى إلى الماءِ تُسبَقُ
تَهِمُّ بِأن تَنعى فَيَمنَعَها الحَيَا=فَيَخنِقُها كَربُ الغَرَامِ فَتَشهَقُ
و لِلحُزنِ ما بَينَ الضُّلُوعِ تَوَقُّدٌ=و لِلدَّمعِ في صَحنِ الخُدُودِ تَدَفُّقُ
فباطِنُها مِن لاهِبِ الحُزنِ مُحرَقٌ=و ظاهِرُها مِن ساكِبِ الدَّمعِ مُغرَقُ
تُساقُ على قَتَبِ المَطيِّ بِلا وَطَاً=يَرِقُّ لها قَلبُ الحَسودِ و يُشفِقُ
و لكِنَّ حاديها صَبورٌ على السُّرى=غَليظٌ فلا يَحنو و لا يَتَرَفَّقُ
فَيَعنَفُ بالسَّجَّادِ و هوَ مُقَيَّدٌ=عَليلٌ و بالغِلِّ الثَّقيلِ مُطَوَّقُ
يَشِقُّ عليهِ ضَيِّقُ القَيد و الضَّنى=و يَبهَضُهُ الغِلُّ الَّذي هُوَ ضَيِّقُ
لَهُ جَسَدٌ بالٍ و بَالٌ مُبَلَبَلٌ=و جانِحَةٌ حَرّى و طَرفٌ مُؤرَّقُ
فلا غَروَ لو عَينُ العُلى غَرَقَت دَمَاً=و كادَت نُفُوسُ المَجدِ لِلوَجدِ تُزهَقُ
إلَيكُم سُراةُ العالَمينَ خَريدَةً=لها مِن مَعَانيكُم ضِياءٌ و رَونَقُ
حَبَاكُم بِها القَنُّ الذي غَرْسُ حُبِّكُم=بِمُهجَتِهِ رَيَّانُ أخضَرُ مُورِقُ
يَميسُ بِأنواعِ الثِّمارِ أقَلِّها=هوَ الصَّفحُ عَن ذَنبي الَّذي هُوَ مُوبِقُ
و أكبَرُها الرِّضوانُ و العِزُّ في ذُرى=إمارَتِكُم هذا الرَّجاءُ المُحَقَّقُ
فما حَسَنٌ يَومَ المَعَادِ بِخائِفٍ=و لا مُشفِقٍ و النَّاسُ راجٍ و مُشفِقُ
و لا أحَدٌ مِن والِدَيَّ و لا ذَويْ=قرابَتِنا مِمَّن بِكُم يَتَعَلَّقُ
فَمِنُّوا مَوَالينا عَلَينَا بِعِتقِنا=مِنَ النَّارِ فالمَولَى إذا شاءَ يُعتِقُ
عَلَيكُم سَلَامُ اللهِ ما الصَّبُّ لِلِّقا=تَشَوَّقَ أو ناحَ الحَمَامُ المُشوَّقُ