هلّ المحرّم فاسكب دمعك الغالي
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
هَلَّ المُحرَّمُ فاسكُب دَمعَكَ الغالي=و مِل عَنِ الشُّغلِ بالأهلِينَ و المالِ
فَفيهِ رِزءٌ عَظيمٌ لو تَحَمَّلَهُ=طَودٌ تَدَكدَكَ مِنهُ طَودُهُ العاليْ
فذلِكَ الرِّزءُ أوهَى قوَّتي و بَرَى=عَظمي و أورَى بِبالي نارَ بِلبَالِ
و ذلِكَ الرِّزءُ لَمَّا دارَ في خُلُدِي=قَطَّعتُ مِن سلوَةِ الأحزانِ آماليْ
كيفَ السُّلُوُ و أهلُ البيتِ في حُزُنٍ=على الحُسَينِ الشَّهيدِ السَّيِّدُ الواليْ
ثاني الشَّهيدَينِ مِن أولادِ فاطِمَةٍ=دامي الوَريدَينِ مِن فَيضِ الدّمِ الغاليْ
غالٍ على غَيرِ قالٍ لا يُجَلُّ لَهُ=قَدرٌ و لا يُرخَصُ الغالي على القاليْ
دَمٌ أطَلَّ و لكِن طالما سُفِكَت=في طَلِّهِ مُهَجٌ مِن جَوفِ أبطالِ
إذ كانَ سَيفُ الحُسَين الطُّهر في يَدِهِ=على جوادٍ أقَبِّ البَطنِ جَوَّالِ
أفدِيهِ مِن بَطَلٍ يَمشي بلا بَطَرٍ=لِلهِ مُتَّضِعٍ في زَيِّ مُختالِ
يَمشي وَقَارَاً بِلا طَيشٍ يُهَيِّجُهُ=بَينَ الأسِنَّةِ مَشيَ الفارغِ البَالِ
كأنَّهُ أجَلٌ يَسعى إلى أمَلٍ=يَسطو بِمُشتَعِلٍ مِن غَيرِ إشعالِ
كادَت مَهَابَتُهُ فيهِم وَصَولَتُهُ=في البُعدِ تَقتُلُهُم مِن غَيرِ قَتَّالِ
لَكِن قَضَى نَبلُهُ عندَ الإلهِ لَهُ=بالقَتلِ مِن كَفِّ سَيَّافٍ و نَبَّالِ
فَإن يَكُن خَصمُهُ ألقاهُ مُنجَدِلاً=فَقَد تَلَقَّاهُ مَولاهُ بإجلالِ
فكانَ مَهبِطُهُ في التُّربِ مَصعَدُهُ=في القُدسِ فاعجَب لَهُ مِن هابِطٍ عالِ
مِن أجلِ ذاكَ استَحَالَ المَوتُ في فَمِهِ=حُلوَ المَذاقِ و لَيسَ المَوتُ بِالحاليْ
و ذا إمارَةُ سِرٍّ طالَمَا حَرَصَت=عَلَيهِ أنفُسُ اقطَابٍ و أبدَالِ
يا ذابِحَ السِّبطِ ظُلماً مِن قفاهُ أمَا=تَخشَى الإلهَ و لا تَرعى لِأطفالِ
أما سَمِعتَ اليتامى يَصرَخونَ و هُم=يَبكونَ في أيِّ تِزفارٍ و إعوالِ
ذَبَحتَ والِدَهُم أوهَنتَ ساعِدَهُم=أشْمَتَّ حاسِدَهُم و المُبغِضَ القاليْ
عَجِبتُ مِن ضَبعٍ يَسطو على أسَدٍ=و فَضلَةُ الكَلبِ يَعلو صَدرَ مِفضالِ
أما درى أيَّ صَدرٍ داسَهُ سَفَهَاً=و مَنحَرٍ ظَلَّ يَفريهِ بِفَصَّالِ
صَدرٌ هوَ البَحرُ لكِن أصلُ مَنبَعِهِ=مِن عالَمِ الغَيبِ لا تَرتيبُ أشكالِ
و مَنحَرٍ هوَ رُكنُ الدِّينِ قَبلَهُ=فَمُ النَّبيِّ بإشفاقٍ و إقبالِ
لَيتَ النَّبيَّ يَرَاهُ حِينَ تَنحَرُهُ=و تَرفَعُ الرَّأسَ مِنهُ فَوقَ عَسَّالِ
كِلَا الوريدَينِ مِنهُ يَنهَمي بِدَمٍ=جارٍ على الأرضِ و العَسَّالُ سَيَّالِ
إذاً لَمَالَ بِهِ فَرطُ الجَوى و بَكَى=حُزناً بِدَمعٍ على الخَدَّينِ هَمَّالِ
و لَيتَ فاطِمَةَ الزَّهرَاءِ ناظِرَةً=بَنَاتَهَا حُسَّرَاً مِن فَوقِ أجمَالِ
مِن كُلِّ خافِضَةٍ لِلصَّوتِ مِن خَفَرٍ=حَرَّى الجَوَانِحِ بِالأحزانِ مِثكالِ
تَنهَلُّ سُحبُ أماقيها بِمُنسَجِمٍ=جارٍ على فاضِلِ الأردانِ هَطَّالِ
يَبكينَ مِن غَيرِ إعوالٍ و لَيسَ لَهَا=والٍ و لا مِن نَكَالِ الدَّهرِ مِن كالِ
تُبتَزُّ أَسوِرَةٌ مِنها و أَخمِرَةٌ=لَيسَت مُخَمَّرَةً إلَّا بإذلالِ
لَولا كَمَالٌ يُوَقِّيها لأبصَرَها=على جِمالِ الأعادي كُلُّ جَمَّالِ
لكِنَّ ضَربَ سِياطِ القَومِ عَوَّضَهَا=عَقدَاً بِعَقدٍ و خَلخَالاً بِخَلخَالِ
ضَربُ العَرَائِبِ بَعدَ الذَّودِ عائِدَة=على خَوَامِسَ هِيمٍ قَبلَ تِنهَالِ
يا حَربُ لا زالَ فيكِ الحَربُ ساعِرَةً=و في منازِلِكُم أصواتُ إعوالِ
ألَيسَ أحمَدُ يومَ الفَتحِ عامَلَكُم=بالصَّفحِ في أنفُسٍ مِنكُم و أموالِ
هَلَّا سَلَتكُم بيَومِ الطَّفِّ مَسلَكَهُ=لا يَستَوي صُنعُ أبدالٍ و أنذالِ
جَوَاهِرَ القُدسِ يا مَن لا يُدَنِّسُها=عَوَارِضُ النَّقصِ في عِلمٍ و أعمالِ
صَحَّت عقائِدُنا فيكُم مُحَصَّنَة=بالعَقلِ و النَّقلِ عَن شَكٍّ و تَضلالِ
لا قَولُ مُبتَدِعٍ في الدِّينِ مُرتَفِعٍ=في القَولِ مُختَرِعٍ لِلقِيلِ و لِلقالِ
فلا نُوافِقُ فيكُم مَن غَلا و قَلَى=بَل نُوجِبُ الكُفرَ لِلغالي و لِلقاليْ
و هاكُمُ عَقدُ دُرٍّ قَد حَلا و عَلا=دُرٍّ مِنَ المَدحِ لا مِن دُرِّ لا آلِ
قَد أحسَنَ الظَّنَّ فيكُم عَبدُكُم حَسَنٌ=أَن لا تَرُدُّوهُ لي مِن قُبحِ أفعاليْ
أمَا و جَذوَةُ أحزانٍ تَشِبُّ إذا=ذَكَّرتُكُم حالَتي لَبثي و تَرحَاليْ
أحرَمتُ عَن طيبِ عَيشي في المُحَرَّمِ مِن=ميقاتِ رِزئِكُمُ مِن غَيرِ إحلالِ
فها أنا مُحرِمٌ طولَ الزَّمَانِ بِكُم=لا فَرقَ ما بَينِ شَعبانٍ و شَوَّالِ
فَحَرِّمُوني على نارِ الجَحيمِ غَدَاً=حَتَّى أَحُلَّ بِكُم في المَنزِلِ العاليْ
كذَاكَ أصلي و فَرعُ الأصلِ مُتَّصِلاً=و سَامِعُو نَظميَ المَتلُوَّ و التَّاليْ
عَلَيكُمُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ مَتَى=بِكُم تُوُسِّلَ في إنجاحِ آمالِ