إيّاك و الدّنيا
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
وَصَلَتكَ ضاحِكَةً فَعِفتَ وِصَالَهَا=و صَرَمتَهَا لَمَّا عَرَفتَ خِصالَهَا
حَسنَاءُ لكِن مِن وَرَاءِ ثِيابِها=شَوهاءُ إن جَرَّدَتها سِربالَهَا
تَسقيكَ مِن غربِ الملاحَةِ أكؤُسَاً=مَزَجَت بِأَنواعِ السُّمومِ زُلالَهَا
و إذا حَبَتكَ يَمينَهَا بِيَسَارِها=سَلَبَتهُ مِنكَ يَمينُها و شِمالُهَا
إنِّي أخافُ عَلَيكَ إن وافَقتَهَا=مِن مُعضِلَين إنِ اتَّقَيتَ وَبَالَهَا
طُولَ العذابِ إذا أصَبتَ حَرَامَهَا=و كَذَا الحِسابَ إذا جَمَعتَ حَلالَهَا
دَع عَنكَ طُولَ هُمُومِها و غُمومِها=و سقامِها و صُدودَهَا و مَلالَهَا
مَلَكَت عُقوقَ الهِرِّ تأكُلُ وِلدَها=و تَدِعُّ في حُفَرِ المَنونِ رِجالَهَا
مَن تُلقِهِ تَعرِض عَلَيهِ وِصالَهَا=مَكراً و تَبذِلُ مالَهَا و جَمَالَهَا
فَأبَوا و أحرَزَتِ النَّجاةَ كِرَامُها=و صَغَوا لها و استأسَرَت أرذَالَهَا
أمَّا النَّبيُّ فَكَتَّبها لِجَبينِها=حَتَّى تَخَلَّلَ قُرطُها خِلخالَهَا
و كَذَا أميرُ المؤمِنينَ فَإنَّها=خَطَبَتهُ راغِبَةً فَبَتَّ حِبالَهَا
بَتَّاً و طَلَّقها ثلاثاً فانبَرَت=قَد قَطَّعَت مِن وَصلِهِ آمالَهَا
لا غَروَ لَو أَغرَت بِهِ أَوغادَهَا=يَوم (..) تابِعِينَ ضَلالَهَا
و نَفَتهُ مِن حَقِّ الخِلافَةِ و هُوَ مِن=دُونِ الوَرَى أولَى بِهِ أولَى لَهَا
و تَقَيَّلَت لِقِتَالِ عِترَةِ أحمَدٍ=ما تَستَطيعُ بِهِ الغَدَاة قِتالَهَا
حَتَّى إذا كانَ الحُسَينُ بِكَربلا=جَلَبَت عَلَيهِ خَيلَها و رِجالَهَا
فَحَمَتهُ عَن وِردِ الفُراتِ فَمَن يَرِد=مِن حِزبِهِ تُرسِل عَلَيهِ نبَالَهَا
فَقَضَوا و ما بَلُّوا غَليلَ صُدُورِهِم=إلَّا إذا سَالَ الدِّماءُ خِلالَهَا
و الطَّاهِراتُ تَرَى الفُراتَ مشَارِكَاً=في النَّهلِ أبتَر ذَيله ذَيَّالَهَا
يا لِلرِّجالِ أمُسلِمُونَ أُمَيَّةٌ=كَلَّا و لا فَعَلَت ثَمُودُ فِعالَهَا
ما عَقرُ ناقَةِ صالحٍ و فَصيلَها=مِن قَتلِ أنذالِ الوَرَى أبدَالَهَا
و لقد دَرَوا أنَّ النَّبيَّ مُحَمَّدَاً=أوصى بِها مِن بَعدِ ما أوصَى لَهَا
فَعَصَت و سَقَّتهَا أُمَيَّةُ بَعدَهُ=أوصَابَهَا بَل قَطَّعَت أوصالَهَا
لَيتَ النَّبيَّ يَرَى الحُسَينَ تَنُوشُهُ=بِسُيُوفِها و رِماحِها و نِبالِهَا
و يَرَى الحُسَينَ مُضَرَّجَاً بِدِمائِهِ=أجرَى النِّصالَ بِجِسمِهِ هَطَّالَهَا
و يَرَاهُ و الشِّمرُ الزَّنِيمُ مُحَكِّمٌ=بالحِقدِ في أوداجِهِ فَصَّالَهَا
و يَرَاهُ مَكبوباً على وَجهِ الثَّرى=تُسفي عَلَيهِ السَّافياتُ رِمالَهَا
لَيتَ البَتُولَ ترى الطَّواهِرَ حُسَّرَاً=أَسرَى تَحِثُّ بِها العِداةُ جِمالَهَا
الرَّحلُ يُؤلِمُها كَحَرِّ شُمُوسِها=قَد غَيَّرَت شَمسُ الهَجيرِ جَمَالَهَا
و السَّيِّدُ السَّجَّادُ في أسرِ العِدا=قَد ضُيِّقَت في عُنقِهِ أغلالُهَا
لا تَستَريحُ و لا تُقيلُ و لَم تَزَل=تَطوي بِهِنَّ سُهُولَهَا و جِبالَهَا
و إذا تَعَثَّرَتِ المَطِيُّ مِنَ الوَجَى=ضَمَّت إلى أحضانِهَا أطفالَهَا
و إذا رَأَت رأسَ الحُسَينِ أمامَهَا=صَكَّت بِحَرِّ وُجُوهِهِنَّ رِحالَهَا
يا دَهرُ أيَّةُ نَكبَةٍ في الدِّينِ قَد=زَلَّت بِها قَدَمَاكَ لَستَ مُقالَهَا
مَكَّنتَ مِن قَتلِ الحُسَينِ عِدَاتَهُ=و سَقَيتَ مِن دَمِهِ الشَّريفِ نِصالَهَا
إذ يَستَغِيثُ فلا يُغاثُ و لا تَعِيْ=مِنهُ الأعادي نُصحَهَا و جِدالَهَا
أينَ الملائِكَةُ الَّذينَ بِجاهِهِ=نالَت رِضى الرَّحمانِ حَيثُ دَعا لَهَا
كَم عَثرَةٍ لَهُمُ استَقَالوها بِهِ=مِن رَبِّهِم فَدَعَا لَهُمَّ فَأَقالَهَا
سَل فُطرُسَ المَكسورَ مِنهُ جَنَاحُهُ=مَن فَكَّ عُقدَةَ ضُرِّهِ فَأزالَهَا
يا دَردَيَائِيلَ ألَستَ عَتيقَهُ=ناهيكَ مَرتَبَةً عَرَفتَ جَلالَهَا
يا سادَةَ الأملاكِ يا أشرافَهَا=يا جَبرَئيل الرُّوح يا مِيكَالَهَا
أوَلَستُمَا المُتَكَفِّلَينِ بِمَهدِهِ=و المُكمِلَينِ لِأُمِّهِ أعمَالَهَا
هَلَّا حَضَرتُم عِندَهُ في كَربَلا=حَيثُ العِداةُ تُذيقُهُ أهوَالَهَا
و رُوِي لَنَا حَضرُ المَلائِكِ عِندَهُ=مُستَأذِنِينَ لِنَصرِهِ فَأَبى لَهَا
و مَقالُهُ لَو شِئتُ عاجَلتُ العِدا=بِالحَتفِ لَكِن أَكرَهُ استِعجَالَهَا
حَيثُ الإلهُ قَضَى بِأَن أُسقى الرَّدَى=في كَربَلا و قضى لَها إمهَالَهَا
سَتَكُونُ أرضُ الطَّفِّ مَقصَدُ شيعَتي=لِزِيارتي و بُلُوغِها آمَالَهَا
كَم مِن دُعاءٍ مُستَجابٍ عِندَهَا=و مُلِمَّةٍ فَتَحَ الدُّعا أقفَالَهَا
مِن عاهَةٍ تُشفى و كَربِ كَريهَةٍ=يُكفى و ذَتبٍ مُوبِقٍ يُعفى لَهَا
ظَفَرَت أُمَيَّةُ بالحُسَينِ و أدرَكَت=أَوتَارَهَا و تَجَاوَزَت آمَالَهَا
و أَبَانَ خُبثَ أُصُولِها تَهتيكُها=حُرَمَ النَّبيِّ و ذَبحُها أطفالَهَا
هذا و يَومُ الفَتحِ نَصبِ عُيُونِها=إذ فَكَّ عَنها أحمَدٌ أغلالَهَا
إذ كانَ يَملِكُ مَكَّةً و فِجَاجَهَا=و رُبُوعَهَا و نِساءَهَا و رِجالَهَا
فَعَفى و أعتَقَها و صانَ نِساءَهَا=في دُورِها و أبَاحَهَا أموالَهَا
فانظُر تَفَاوُتَ ذاتِهِ و ذَوَاتَهَا=سَبرُ الرِّجالِ بِفِعلِهَا أجلَى لَهَا
أجَوَاهِرُ القُدسِ الَّتي فُزنا بِما=وَهَبَ المُهَيمِنُ مِن مَوَدَّتِنا لَهَا
أنتُم سَحَائِبُ رَحمَةِ اللهِ الَّتي=نُشِرَت على مَن يَستَظِلُّ ظِلالَهَا
فَإذا أظَلَّت عَبدَكُم حَسَنَاً فَلا=يَخشى غَداً ناراً و لا أهوالَهَا
الرَّبُّ بَرٌّ و الشَّفيعُ مُقَرَّبٌ=و النَّارُ سامِعَةٌ لِما يُوحى لَهَا
و صَلاةُ رَبِّكُمُ السَّلامُ عَلَيكُمُ=ما ناوَحَت رِيحُ الجَنوبِ شِمالَهَا