أنا الحسين جليّ عندكم نسبي
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
شَرخُ الشَّبابِ على اللَّذَّاتِ أغرانيْ=حتَّى تَجَاوَزتُ فيها حَدَّ أقرانِيْ
ما رُمْتُ مِن لَذَّةٍ إلا ظَفَرتُ بها=و ما تَوَجَّهتُ في أمرٍ فأعيانيْ
السَّيفُ يُسعِدُني و الضَّيفُ يَحمِدُني=و الغَيثُ يَحسِدُني و اللَّيثُ يَخشانيْ
أُغِضُّ بالرِّيقَ خَصمي ثُمَّ أقهَرُهُ=و لو تَحَصَّنَ في إيوانِ كِيوانِ
يَستَمنِحُ اللَّيلُ مِن فَودَيَّ جُنحَ دُجىً=و مِن جَبيني نُوراً فجرُهُ الثَّانيْ
ما زِلتُ نَشوانَ مِن خَمرِ الشَّبابِ إلى=أنه صاحَ بي ناصِحاً شَيبي فأصحابيْ
غَطَّى الشَّبابُ على عَقلي فأضحَكَني=و أسفَرَ الشَّيبُ عَن جَهلي فأبكانيْ
إذا تَأَمَلتُ ما أسلَفتُ خامَرَني=حُزنٌ يَذوبُ بِهِ قَلبي و جُثمانيْ
حَتَّى كأنِّي تَذَكَّرتُ الحُسَينَ و قَد=سُلَّت عَلَيهِ ظُبى بَغي و عُدوانِ
غَدَاةَ أقبَلَ في أهلَيهِ مُنتَجِزاً=مَوَاثِقاً سَلَفَت مِن أهلِ كُوفانِ
فأخلَفوها و حَلُّوا عَقدَ بَيعَتِهِم=لَهُ لِيَرضى يَزيدُ النَّاقِصُ الدَّانيْ
أبا لحُسَينِ يَزيداً تَعدِلُونَ و ما=يَزيدُكُم مِن يَزيدٍ غَيرُ نُقصانِ
و ألجَأُوهُ إلى الجُلَّى فجالَدَهُم=عَنهُ عِصابةُ إخلاصٍ و إيمانِ
مِن كُلِّ مُنتَصِرٍ للهِ مُقتَدِرٍ=باللهِ مُتَّجِرٍ في اللهِ رَبَّانيْ
جَذلانُ يُبصِرُ في الأعيانِ مَنزِلَهُ=مِنَ الجِنانِ لدى حُورٍ و وِلدَانِ
لا غَروَ لَو بَذَلُوا الأرواحَ و اغتَبَقوا=راحَ الرَّواحِ إلى رَوحٍ و رَيحانِ
فلَيتَني كُنتُ فِيهِم كَي أفُوزَ بِما=فازوا بِهِ مِن نَعيمٍ لَيسَ بالفانيْ
و أقبَلَ السِّبطُ مَسجورَ الجَوَانِحِ مِن=وَجدٍ لَغُربَةِ أطفالٍ و نِسوانِ
يَحمي الحَريمَ بِقَلبٍ قد تَدَرَّعَهُ=على دِلاصٍ حَكَت أحداقَ عُقبانِ
يُكَرِّرُ النُّصحَ تأكيداً لِحُجَّتِهِ=على العِدا خاطِباً فيهِم بإعلانِ
أنا الحُسَينُ جَليٌّ عِندَكُم نسَبي=إلى النَّبيِّ فخافوا اللهَ في شانيْ
أما أبي كَتِفُ المُختارِ رافِعُهُ=بِغَيرِ ثانٍ إلى تَكسيرِ أوثانِ
ألَيسَ كانَ رَسولُ اللهِ يَلطُفُ بي=و بالزَّكيِّ أخي إذ نَحنُ طِفلانِ
ألَيسَ قالَ و نِعمَ الرَّاكِبانِ هُما=و نَحنُ مِن فَوقِ كَتِفَيهِ عَزيزانِ
فَلَم يُكَلَّم بغَيرِ النَّبلِ تَرشِقُهُ=مِن كُلِّ مُزوَرَّةِ القابَينِ مرنانِ
و أقبلوا كَرُكامِ السُّحبِ تَرعَدُ مِن=لَجمٍ و تُبرِقُ مِن بَترٍ و خُرصانِ
فانقَضَّ مِثلُ شِهابِ الحُقِّ مُتَّقِداً=نُوراً لِيُحرِقَ مِنهُم كلَّ شَيطانِ
يَلقى الخَميسَ فلا يُبقي على أحَدٍ=في القَلبِ إلَّا إذا طارَ الجَنَاحَانِ
لَيثٌ يَشِكُّ مَحَلَّ الشَّكِّ مِن حُمرٍ=بثعلبٍ ظاهِرٍ في كُلِّ ثُعبانِ
و كَم تَرَى في الوَغَى مِن لَحمِ أُسدِ شَرَىً=ظِباً كَأَنَّ سَنَاهَا ضَوءُ نِيرانِ
لو قُلتُ لو شاء قَتلَ القَومِ قاطِبَةً=ما فاتَهُ لَم يَكُن قَولي بِبُهتانِ
و كَيفَ و هو يَدُ اللهِ الَّتي غَلَبَت=جَميعَ ما كانَ مَوضوعاً بإمكانِ
لكِن قضى اللهُ ان تَزدادَ رِفعَتُهُ=بالقَتلِ ما بَينَ نَبَّالٍ و طَعَّانِ
أفديهِ إذ خَرَّ في مَعنى الصُّعُودِ على=وَجهِ الصَّعيدِ بتَسليمٍ و إذعانِ
فيا قَتيلاً هَوَىَ مَهواهُ يَرفَعُهُ=و القَتلُ يُحيِيهِ في رَوضٍ و رِضوانِ
طالَت مُفاخَرَةُ الأرضُ السَّماءَ بِهِ=و لِلسَّماءِ عليها فَضلُ رَجحَانِ
الأرضُ مَهبِطُهُ و العَرشُ مَصعَدُهُ=و الفَرقُ ليسَ بِمُحتاجٍ لبُرهانِ
لَهفي عَلَيهِ على البَوغاءِ مُنجَدِلاً=و الشِّمرُ يَعلوهُ في رِجلَيهِ نَعلانِ
أقدامُ كُفرٍ و إلحادٍ يُداسُ بِها=على خُزانَةِ أسرارٍ و عِرفانِ
يَرُومُ أعلى مَرَامَ الظَّالِمِينَ فَمَا=جَرَى على خاطِرِي إلَّا و أبكانيْ
على النَّبيِّ عَزيزٌ كَم تَصَوُّرُهُ=فَفَاضَ مِن مُقلَتَي عَينَيهِ عَينانِ
على الوصِيِّ عَزيزٌ كَم رثى و بكى=حُزناً عَلَيهِ و أبكى عَينَ أعيانِ
على البَتولِ عَزيزٌ كَم لَهُ قَطَعَت=جُنحَ الدَّياجي بطَرفٍ غَيرِ وَسنانِ
رِزءُ الحُسَينِ عَظيمٌ عِندَ خالِقِهِ=و خَلقِهِ غَيرِ مَن يُعزى لِكُفرانِ
لِلهِ خَطبٌ تسامى في جَلالَتِهِ=على الخُطوبِ و رزءٌ ما لَهُ ثانيْ
أيُذبَحُ السِّبطُ ظُلماً مِن قَفَاهُ على=حَرِّ الأُوامِ بِعَضبٍ مِنهُ رَيَّانِ
يُكابِدُ الكَربَ ما ابتَلَّت جوانِحُهُ=بِبارِدٍ بل بِما فاضَ الوَريدانِ
و يُحمَلُ الرَّأسُ منهُ في السِّنانِ و عَن=مَكَانِ نَعلَيهِ يَنحَطُّ السِّمَاكَانِ
و يُترَكُ الجِسمُ عُرياناً يُسَتِّرُهُ=مِن قَسطَلٍ و دَمِ الأوداجِ بُردانِ
على التُّرابِ ثلاثاً ما تَضَمَّنَهُ=قَبرٌ و لا نالَ مِن غُسلٍ و أكفانِ
و مِن فَظيعِ الخُطُوبِ الَّلاحِقاتِ بِهِ=سَبيُ النِّسا بَينَ أحرارٍ و عَبدانِ
على ظُهُورِ جِمالٍ لا وِطاءَ و لا=ظِلالَ تُشهَرُ في قَفرٍ و بُلدانِ
ثَكلى فَوَاقِدُ لِلسِّلوانِ شاحِبَةَ=الأبدانِ لا تَرتَدي إلَّا بِأَردانِ
مِن بَينِهَا السَّيِّدُ السَّجَّادُ في صَفَدٍ=يُهدى إلى ثَمِلٍ بالخَمرِ نَشوانِ
هذي نَتَايجُ فعل الأوَّلينَ و قَد=صَحَّت فَرَاسَةُ صافي الفِكرِ سَلمَانِ
إلَيكُمُ يا وُلاةَ الأمرِ مَرثيِةٌ=مِنَ الموالي الأُوالي الدَّمِستَانيْ
حَسناءُ تَسحَبُ ذَيلَ الفَخرِ زادَ بِهِ=على فَصَاحَةِ حَسَّانٍ و سَحبَانِ
إن تَقبَلُوها مِنَ العَبدِ المُسيءِ فَكَم=لَكُم على عُنُقي مِن طَوقِ إحسانِ
قَد أحسَنَ الظَّنَّ فيكُم عَبدُكُم حَسَنٌ=فَخَلِّصُوهُ غداً من حَرِّ نيرانِ
كَذَا أُصولي جَميعاً و الفُرُوعُ و مَن=واسَاكُمُ في مَسَرَّاتٍ و أحزانِ
عَلَيكُمُ صَلَواتُ اللهِ قاطِبَةً=تَدومُ ما دامَ لِلأفلاكِ قُطبانِ