فديتك سلما للقضاء مجاهدا
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أَفِضْ مِن دُمُوعِ العَينِ ما يُرِحُ الجَفنَا=فَقَد هَلَّ عاشورُ الَّذي يَجلِبُ الحُزنَا
و بَتَّ عُرى البُشرى و بِتُّ هاجِرَ الكَرَى=و لا تَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ و لا مَغنَى
فما حَسَنٌ بَعدَ الحُسَينِ سِوى الأسى=و حُسنِ التَّأسي إن فَقَدنا أباً و إبنَا
ألا إنَّهُ أولَى بِسَكبِ دُمُوعِنا=كما إنَّهُ أولى بأنفُسِنا مِنَّا
فَلِلَّهِ قَومٌ قَدَّمَتهُم حُظُوظُهُم=إلى نَصرِهِ فاستَغنَمُوا الأرَبَ الأهنَى
أطايِبُ في نَصر الحُسَينِ تَسَاعَدوا=فَفازوا بإدراكِ السَّعَادَةِ و الحُسنَى
فَلَو أنَّنا كُنَّا حُضُوراً بِكَربَلا=لَكُنَّا كَمَا جادوا بِأَنفُسِهِم جُدنَا
و حَيثُ تَدَانَى حَظُّنا عَن حُظُوظِهِم=فَحقٌّ لنا مِن أجلِهِ لو تأسَّفنَا
فَلَسنَا ننالُ الأجرَ إلَّا مِنَ البُكا=و إلَّا فَمِن كُلِّ المُثوباتِ أفلَسنَا
فَقَد نَدَبَ اللهُ العِبادَ إلى البُكا=عَلَيهِ و خَيرُ المُرسَلينَ لَهُ سَنَّا
أما في رَسولِ اللهِ لِلنَّاسِ أُسوَةٌ=فَقَد كانَ مُوتوراً بِمَقتَلِهِ مُضنَى
و كانَت لَهُ الزَّهراءُ طُولَ حَيَاتِها=قَريحَةَ جَفنٍ لَم تَبِت لَيلةً و سنَا
و قالَت لِخَيرِ الرُّسلِ و الدَّمعُ ساجِمٌ=أيا أبَتَا مَن لِلغَريبِ إذا غِبنَا
أيا أبَتَا مَن ذا يُقيمُ عَزَاءَهُ=إذا ما عَلَيهِ الدَّهرُ مِن بَعدِنا أخنَى
فَقَالَ لَها قَومٌ يُريدُونَ بِرَّنا=كِرامٌ يُقيمونَ العَزَاءَ لَهُ حُزنَا
أكونُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ شافِعٌ=و أُبدِلهُم مِن خَوفِهِم في غَدٍ أَمْنَا
فما بالُنا لا نألَفُ الحُزنَ و البُكا=و نَطمَعُ في وَعدِ الرَّسولِ إذا عدَنَا
و نُسعِدُهُ في حُزنِهِ و مُصابِهِ=على سِبطِهِ المُهدودِ من أجلِهِ رُكنَا
و نُسعِدُ جِبرائيلُ إذ ظَلَّ ناعياً=عَلَيهِ بِشَجوٍ جَلَّ عَن صِفَةِ المَعنَى
فَدَيْتُكَ يا سِبطَ النَّبيِّ الذي دَنا=مِنَ اللهِ شأناً قابَ قَوسَينِ أو أدنَى
فَدَيْتُكَ سِلماً لِلقَضاءِ مُجاهِداً=بِوَجهِ الرِّضا تَستَقبِلُ الضَّربَ و الطَّعنَا
فَدَيْتُكَ مَقلوباً عَنِ السَّرج هاوِياً=إلى الأرضِ مَصروعاً على تَلعَةٍ خَشنَى
فَدَيْتُكَ مَلهوفَ الجَنَانِ مِنَ الظَّما=يَعِلُّ سِنَانٌ مِن جَوانِحِكَ اللَّدْنَا
فَدَيْتُكَ مَقطوعَ الكَريمِ مِنَ القَفَا=و قَد داسَ مِنكَ الشِّمرُ بالحَنَقِ المَتنَا
أُجِلُكَ عَن تَضريجِ شَيبِكَ بِالدِّما=و رَضِّ عِتاقِ الخَيلِ ظَهرَكَ و البَطنَا
عَليَّ عَزيزٌ رَفعُ رأسِكَ في القَنَا=و كَسرُ يَزيدٍ بِالعَصَا سِنَّكَ الأسنَى
و إن أنسَ لا أنسَ النِّساء حَواسِراً=على النِّيبِ يَدعينَ النَّبيَّ و يَندِبنَا
أيا جَدَّنا نَشكو إلَيكُم مُصابَنَا=و إن كانَتِ الشَّكوى لَكُم تُورِثُ الغُبنَا
أيا جَدُّ لَو عايَنتَ ما صَنَعَ العِدا=بِآلِكَ لَم تَنفَكَّ ذا مُقلَةٍ وَسنَى
حَبيبُكَ و المُفَدَّى بابنِكَ و الَّذي=نُؤَمِّلُ أن يَبقى لَنَا بَعدَكُم حِصنَا
صَريعٌ على الرَّمضاءِ مُلقىً مُجَدَّلاً=يُعالِجُ كَرباً في الجَوَانِحِ مُكتَنَّا
و قَد رَكَبَ المَلعونُ شِمرٌ بِنَعلِهِ=على صَدرِهِ حَتَّى أحَسَّ بِهِ وَهنَا
يُحَكِّمُ في نَحرِ الحُسَينِ حُسَامَهُ=و قَد كُنتَ يا جَدَّا بِتَقبيلِهِ تَعنَى
يُناديكَ يا جَدَّاهُ أُذبَحُ جَهرَةً=بِصارِمِ شِمرٍ لا فِداءَ و لا مَنَّا
لَعَمرُكَ ما ذاقَ امرُؤٌ كأسَ كُربَةٍ=كَما نَحنُ مِن رِزءِ ابنِ فاطِمَةٍ ذُقنَا
و لا وَلَدَت أُمُّ الرَّزايا كَرِزئِنا=و لا حازَ مَحزونٌ مِنَ الحُزنِ ما حُزنَا
أيَا جَدُّ جَدَّ الدَّهرُ في شَتِّ شَملِنا=بِزَعزَعٍ جُردٍ حَيثُ مالَت بِهِ مِلنَا
أيَا جَدَّنَا كانَ الحُسَينُ نِظامَنا=فَصَادَفَهُ سَهمُ الرَّدى فَتَشَتَّتنَا
و مِن قَبلُ كُنا في ذُراهُ بِمَعزَلٍ=عَنِ الضَّيمِ إلَّا أن نَظُنَّ بِهِ ظَنَّا
إذا نابَ خَطبٌ لَفَّنا في جَنَاحِهِ=و صادَمَهُ حَتَّى يَصُدَّ بِهِ عَنَّا
فَمِن بَعدِهِ ضِعنا و هُتِّكَ سِترُنا=و لَو كانَ حَيَّاً ما هُتِكنا و لا ضِعنَا
نُساقُ على أقتابِ بُدنٍ ضَوَالِعٍ=مَهَازيلُ أنقاضٍ مِنَ السَّيرِ قَد بِدنَا
أَأَبدَانُنَا تَقوى على سَيرِ بُدنِهِم=فَيَا لَيتَنَا بِدنا و لَم نَركَبِ البُدنَا
هَوَائِمُ حَرُّ الشَّمسِ تَصهَرُ هامَنَا=و ما هَمَّنَا إلَّا لِخَطبٍ بِهِ هِمنَا
حَوَاسِرُ لَكن كُلَّما طافَ طائِفٌ=عَلَينا رَدَدنَا في مَكَان الرِّدا رَدنَا
إذا نَحنُ نُحنا أو عَلَونا بِزَفرَةٍ=عَلُونَا بِضَربٍ لَيتَ أنَّا بِهِ مِتنَا
و إن نَحنُ جِئنا نَستَريحُ مِنَ الوَجَا=وُجينا بِأطرافِ الرِّماحِ و أُزعِجنَا
كَأَنَّ رَسولَ اللهِ لَم يَكُ جَدَّنا=و لا نَحنُ لِلزَّهراءِ و المُرتَضَى أَبنَا
أيا حِزبَ حَربٍ أيُّ ذَنبٍ لِأَحمَدٍ=و عِترَتِهِ حَتَّى تَسقوهُمُ الغُبنَا
ألَم يَصفَحِ المُختارُ عَنكُم تَكَرُّمَاً=فَهَلَّا صَفَحتُم وَيلَ أُمِّكُمُ عَنَّا
ألَم يَفدِكُم آباؤونا يَومَ أَسرِكُم=فَمَا بالُكُم لا تَقبَلونَ الفِدا مِنَّا
ذَبَحتُم حُسَيناً ظامِياً و طَحَنتُمُ=بِرَكضِ العِتاقِ الجُردِ (جُمَانَهُ) طَحنَا
و كَلَّلتُمُ رأسَ السِّنانِ بِرأسِهِ=بِرَغمِ العُلى إذ كانَ إكلِيلُها الأسنَى
فَذَا رأسُهُ مِن فَوقِ رأسِ القَناةِ قَد=جَرى دَمُهُ القاني على أنفِهِ الأقنَى
و ذاكَ طَريحٌ جِسمُهُ رَهن بَلقَعٍ=حَليفُ العَرا ما نالَ كَفناً و لا دَفنَا
فَحَسبُكُم الجَبَّارُ خَصماً و حاكِماً=و لَعنُ الوَرَى خِزيَاً و نارُ اللَّظى سِجنَا
أيا عِلَّةَ الفَيضِ الإلهِيِّ إنَّ في=يَدَيكُم لَدَى الحَشرِ العُقُوبَةُ و الأمنَا
فَمِنُّوا على مَن أَمَّكُم بِرَجَائِهِ=فَمَا حَسَنٌ إلَّا بِكُم حَسَنُ الظَّنَّا
و أصلي و فَرعي صاعِداً مُتَنَازِلاً=و ما نَسَلا من كانَ مَولىً لَكُم قَنَّا
و خِلِّ خَلِيِّ مِن نِفاقٍ و مُنشِدٍ=و واعٍ و ذي بَرٍّ بِنا إن يَكُن مِنَّا
عَلَيكُم صَلاةُ اللهِ تَترَى مَتَى دَعَا=إلهُ الوَرَى داعٍ بِأَسمائِهِ الحُسنَى