كم تغاضيك على الجور
الشيخ جواد الحلي
كم تغاضيك على الجور احتمالا = ولقد هدّ تغاضيك الجبالا
أيها الغائب كم تشكو الورى= لك من طول تخفّيك اعتلالا
قطعت أكبادها الشكوى أما = آن أن تمنحها منك وصالا
أترى الأرض عليك اتسعت = وعليها ضاقت الدنيا مجالا
أين عنها لك قد طاب الثوى = ولماذا دونك المقدار حالا
كل يوم لك منها ألسنٌ = بفنون العتب ينشرن المقالا
كلما زادتك عتباً في النوى= زدتها في وَعدِ لقياك مطالا
هل للقياك لها من منهج =كيف علّمها للقياك احتيالا
أو ما ترنو إلى صبح الهدى = فوقه امتدّ دجى الغيّ وطالا
لك كم ضجّ الهدى يا غوثه = وشكا الدين الحنيفيّ انتحالا
يستغيثان إلى عدلك من= أهل جور فيهما ساؤوا فعالا
يستثيرانك في ثارهما = ومن الضرّ يبثانك حالا
صرخا عن لوعة واستنهضا= خير ندب ثبتا فيه اعتدالا
أو ما ينهضك العزم الذي = ناره أذكى من الجمر اشتعالا
هل أبى سيفُك في يوم الوغى = والقنا الخطيّ سألا واعتقالا
كيف تغضي وعداك انتهرت = محكم الدين وساموه زوالا
أخرّت أكرم مقدامٍ به = يوم (خم) بلغ الدين الكمالا
أمنت سطوة مرهوب اللقا= فاستقادته على الأمن اتكالا
ولتيمٍ وعدّيٍ أمره = آل يوم اغتصبوا لله آلا
وبه من عبد شمس لعبت = فتية منها شكا الداء العضالا
أترى حقك ما بين العدا = تتهاداه يميناً وشمالا
وشبا عضبك مغمود ولا = ينتضي عن غضب الله انسلالا
يا لموتورٍ على أوتاره= يتردى بردة الصبر اشتمالا
غرّ إمهالك جبار الورى = وبه الغيّ على الرشد استطالا
ناكلاً عن مدرج الحق ولم = ير من بطشك بأساً ونكالا
أعلى ثارك في طيب الكرى = تمنح الجفن وحاشاك اكتحالا
والظبا ما ألفت أجفانها = طمعاً في طلب الثار نصالا
والمذاكي يتصاهلن وكم = لك من طول الثوا تشكو ملالا
زعجت في صوتها بيض الظبا= وعليه هزّت السمر الطوالا
فأثرها للوغ ضابحة = في ذراها هبة الاسد صيالا
بالمواضي والقنا السمر التي = نفثة الموت يعلّمن الصلالا
ينثني القرم عن الطعن بها = خوف لقياه من الروح انفصالا
والمنايا تسبق الطعن إلى = نفسه من قبل أن يلقى القتالا
والملأ البيداء عدلاً بعدما = ملئت ظلماً وجوراً وضلالا
واحتكمك بالسيف فيمن بشبا = جورها جرح الهدى عزّ إندمالا
وانتقم من فتية أفناكم = ظلمها جرح الهدى عزّ إندمالا
وانتقم من فتية أفناكم = ظلمها في الحكم سماً وقتالا
كم لكم في الأرض مطلول دم = طبق الآفاق نوحاً يوم سالا
والذي قد طلّ بالطف له = مادت الخضرا وركن العز مالا
أو ما وافاك ما في كربلا = من حديث ينسف الشمّ الثقالا
نزل الكرب بها إذ دعيت = آلك الأطهار للحرب نزالا
يوم حرب ملأت صدر الفضا = عصباً يقتادها الغيّ عجشالا
سادها نشوان في أندى الورى = رأسه لو قيس ما ساوى النعالا
فرأى من بأس خواض الوغى= شدة قد فنيت فيها انذهشالا
لم يكن إلا على شوك القنا = ماشياً في منشهشج العز اختيالا
حاملاً ألوية العزّ إلى = موقف فيه يراهنّ ظِلالا
لذرى العزّ به همّته= قوضت عن مهبط الضيم ارتحالا
بقروم شحذت في عزمها= قضب الهنشد وسنّوها صقشالا
أنهلوها يوم سلوها دماً = فيه قد درّت طلى الشوس سجالا
فهم الآساد في الحرب وقد = كان يوم السلم يدعوها رجالا
وهم غاية طلاب الندى = ولهم راجية قد شدّ الرحالا
ما دعاها لنزال أو ندى = هاتفٌ إلا أجابشته عجالا
فهي للداعي وللراجي لها = تمنح القصد نزالاً ونوالا
أرضعت طفلهم الحرب سوى = أنه يأبى عن الدرّ فصالا
عوذت بالبيض من شبّ لها = أمّه الهيجاء أن يلقى اكش تهالا
يعقد العز لناشيها على= راية قد زانها الفخر جمالا
ما تثنت في اللقشا إلا رأى = غادة قد هزّت العطف دلالا
زفّها المجد لكفؤ إن سرى = يقدم الجمع بها جلّ فعالا
وجلاها لكريم نفسه = كرمت في ملتقى الموت خصالا
خضبت من بعد ما زفّت له = بدم الأبطال طعناً ونصالا
ولها طاب اعتناقاً في دجا = معرك فيه منى حوباه نالا
وجثت في موقف دقّت به = أنف مَن بالسوء يبغيها اغتيالا
موقف قد حلقت رهبته = بحشا الأسد وأنستها المصالا
ليس تشكو سأم الحرب وإن= شكت البيض من الضرب الكلالا
لم تزد إلا نشاطاً في وغى = جدها ألفى ضواريها كسالى
عزةً حنت إلى ورد الردى = دون أن تسقى على الهون الزلالا
فأشادوها معالٍ لم يصب = طائر الوهم لأدناها منالا
وبها قد هتف اللطف الى = حضرة القدس فلبته امتثالا
فتداعوا وهم هضب حجىً = وتهاووا قمراً يتلو هلالا
لم تجد حرّى على لفح الظما = وهجير الشمس ريّاً وظلالا
كم صريع عثرت فيه الظبا = عثرةً عزّ عليها أن تقالا
والعوالي وسدته بعدما = قطرته عن ذرى الخيل الرمالا
ومعرّى لم يجد برداً سوى = صنعة الريح جنوباً وشمالا
يا قتيلاً ثكلت منه وقد = عقمت عن مثله الحرب ثمالا
وجديلاً شرقت بيض الظبا = بدماه والقنا السمر انتهالا
وقفت بعد أفلاك الوغى = في ملمٍ قطبُها الثابت غالا
فهوى والكون قد كاد له = جزعاً يفنى بمن فيه اختلالا
ثاوياً نحت القنا في صرعة = قصرت عن شكرها الحرب مقالا
يتشكى صدره من غلّةٍ = لو تلاقي زاخراً جفّ وزالا
جرت الخيل عليه بعدما = قُظُباً لاقى وسمراً ونبالا
فهو طوراً للعوالي مركز = وهو طوراً صار للخيل مجالا
بأبي من بكت الخضرا له = بدم عن لونه الافق استحالا
وعليه الملأ الأعلى بها = حرقاً لازمه الحزن انفصالا
فغدى النوح له شأناً وقد = كان تقديساً وحمداً وابتهالا
وعليه قمراها لبسا = ثوب خسف أفزع الكون وهالا
وبكته الأرض بالمحل وما= كاد يجري فوقها الغيث انهلالا
يا مريد الرفد لا تعقل فمن = تبرك النجب بمغناه عقالا
قد مضى من لم يزل يوقرها = يوم تأتي تحمل الآمال مالا
إن ترد تثقلها آمالها = فبوفر الجود يصدرن ثقالا
فلتقطّع فيه أحشاهتا جتوىً= مَن على نائله كانت عيالا
وذوى روض الأماني بعدما = كان يخضلّ بجدواه اخضلالا
وجهه ينهلّ بالبشر كما = يده بالجود تنهلّ انهلالا
يلثم الوافد منه أيدياً = سحباً تسبق بالوكف السؤالا
يا لخطب نسف البيداء مذ = زلزل الأجبال منها والتلالا
كم قتيل من بني الهادي به = عند حرب دمُه طلّ حلالا
واسير عضّه قيد العدى = ويتيم في السبى يشكو الحبالا
ونساء سجفَ الله لها = حرم المنعة عزاً وجلالا
قد أحاطت هيبة الله به = فهو بالطرف منيع أن ينالا
بل لو ان الوهم في إدراكه = جدّ لم يدرك لمعناه مثالا
حجبت فيه التي ما شامها = أبداً إلاه شخصاً أو خيالا
طاشت الأوهام فيه فرأت = كونها في عالم الدنيا محالا
أصبحت بارزة منه على = رغم عليا مضر حسرى وِجالا
ذعرتها هجمة الخيل على =خدرها أمّته اماً ورعالا
فانجلت عنه وقد سُد الفضا = دونها تطلب كهفاً ومآلا
وبعين الله أضحت في السبى = تمتطي قسراً عن الخدر الجمالا
نصلت وخداً ومن طول السرى = عنقاً كادت بأن تفن هزالا
كلما قد هتفت في قومها = إذ حدا الحادي بها والركب شالا
زجرت بالشتم من آسرها = وعليها السوط بالضرب توالى
غادرتهن الرزايا وُلّها = إذ ترادفن عليهن انثيالا
يا لها نادبة تدعو ولم = تلف للمنعة من فهر رجالا
قد مضى عنها المحامون الأولى = دونها يوم الوغى ماتوا قتالا
كلما حنت لقتلاها شجى = أنست النيب من الثكل الفصالا